إلسي كفوري خميس
عشقتها الأذن والعين معًا، فهي سيّدة الصوت والصورة. وزناتها كثيرة، وقد نذرت حياتها للتمثيل والدبلاج والمسرح والإذاعة وتلاوة القصائد في الأمسيات الشعريّة والندوات.
بداياتها تفتّحت على يد الراحلة فيريال كريم، وهي لمّا تزل في الرابعة عشرة، فلمع اسمها في عالم الدراما اللبنانيّة ودبلجة الأفلام الكرتونيّة والمسلسلات المكسيكيّة.
رصيدها من الأعمال لا يُحصى، وهي أمضت 54 سنة في مجال التمثيل؛ عمر كامل تنقّلت فيه بين عالَمي الصغار والكبار، فكان النجاح حليفها الدائم.
في الدبلجة، فرضت حضورها بصوتها العذب الذي شكّل علامة فارقة. هي راكيل حبيبة أنطونيو في المسلسل المكسيكي «أنتَ أو لا أحد»، وماتيلدا شقيقة بلانكا فلور في مسلسل «مهما كان الثمن»، و«ماري إيلينا»، وغيرها الكثير من الأدوار التي اشتهرت في عالمنا العربي.
كوّنت علاقة خاصة مع جيل الصغار من خلال تجسيدها شخصيّات كرتونيّة ترسّخت في ذاكرة الطفولة مثل: «زينة ونحّول»، و«بيل وسيباستيان»، و«السنافر»، و«سانشيرو»، و«نينجا المغامر» وعشرات الأعمال التي أغنت أرشيف الأفلام الكرتونيّة.
الشاشة تفتقد أمثالها من قماشة نادرة. فالعائلة ونوعيّة الأعمال التي تُقدّم اليوم أبعدتاها جزئيًّا عن الساحة، وهي تأبى الرجوع إلا من باب عمل يحاكي الناس.
إنّها الفنّانة القديرة إلفيرا يونس التي تختصر عبر «قلم غار» مسيرة حياتها الفائضة بالإيمان والتسليم لمشيئة الآب.
إيمان ثابت بالله
تعتبر يونس «أنّنا بتنا نفتقد في زمننا الإيمان الصادق وأصبحنا ننظر إلى المادّيات والأمور الدنيويّة». تؤمن إيمانًا خالصًا بمشيئة الله، قائلة: «نحن ضعفاء بطبيعتنا البشريّة، ونحتاج إلى الله وإلى تدخّلاته في حياتنا وفقًا لإرادته، فهو لم يخلق إنسانًا من دون رسالة. علينا فقط أن نتّكل عليه وندعه يتصرّف».
وتؤكد أنّ الربّ يتجلّى بكل شيء في حياتها، «من معه الله لا يهاب شيئًا». وتضيف: «في خلال تنقّلاتي، أطلب منه مرافقتي. كما أطلب منه أن يمدّني بالقوّة والثبات في الإيمان».
تصف علاقتها به بأنّها «علاقة يسودها الحوار والتوافق». تخاطبه وتشكي له همّها، وتشكره على تسهيل طريقها وفتح كل الأبواب أمامها لأنّ ما حققته «لا يمتّ إلى الحظ بصلة».
شفاء ونجاة من حادث مروّع
تخبر يونس عن مواجهتها المرض بثبات وقوّة وإيمان. وتتحدّث عن إصابتها بسرطان الرئة منذ 8 سنوات، قائلة: «عُدت من الموت مرّتين. هذه إرادة الله. رسالتي لم تنتهِ على الأرض». وعن شفائها تؤكد بثقة: «لا أمانع إن عاودني المرض لأنّني قويّة بالله، وأؤمن بأنّه لن يتركني».
تتذكّر أيضًا كيف لمست تدخّل الربّ في الشدائد، وتحديدًا لدى تعرّضها لحادث حين كانت حاملًا في الشهر السابع. تروي: «تعرّضت لحادث سقوط في وادٍ على الطريق المؤدّية إلى دير مار مارون-عنّايا. كان معي في السيّارة زوجي وابنتاي والخادمة. السيّارة تدحرجت وارتطمت بالصخور بشكل مرعب على عمق 80 مترًا. كان من الممكن أن نُقتل جميعنا أو أن أُجهض، لكن ذلك لم يحصل بفضل العناية الإلهيّة. أصبت برأسي إصابة بالغة، وفي المستشفى خضعت لعمليّة من دون بنج بسبب حملي، وكنت حينها في شبه غيبوبة، وبقيت سنة كاملة فاقدة التوازن».
تحمد يونس الله على نعمة الحياة، معتبرة أنّ ما حصل معها بمثابة أعجوبة.
بين الزمن الجميل والفنّ المعاصر
استثمرت يونس إيمانها الكبير في فنّها الراقي البعيد عن الابتذال، وفي المحافظة على اسمها ونهجها مع تغيّر الظروف. وهي لا تنسى ذكر الله في جلساتها وأحاديثها مع زملائها ورفاقها في المهنة، وفق قولها. وتؤكد: «عبر فضيلة التواضع وحسن معاملة الآخرين ولا سيّما فريق العمل، أحمي نفسي من الأذيّة وقلّة الاحترام. ففي الاتضاع رفعة».
قدّمت يونس الكثير من الأعمال الثقافيّة والقراءات الشعريّة. وشكّل الإرشاد الاجتماعي ركيزة أعمالها. تقول: «عندما اخترت أن أسلك هذا الطريق، فكّرت أوّلًا بتقديم الأعمال الهادفة للناس لكي يأخذوا العبر منها. عندما نوصل هذا الإرشاد عن طريق المحاضرات، سيضجرون. لكن عندما نقدّمه في قالب درامي، ستصل الرسالة بطريقة سلسة ومسلّية. لدى تقمّصي دورًا شريرًا، يكون الهدف منه أن أظهر للناس نهاية الشرّ وغلبة الخير».
تعتبر يونس أن «لا مجال للمقارنة» بين الفنّ المعاصر وفنّ الزمن الجميل. «التغيير يكون نحو الأفضل والأرفع، وهو عكس ما أراه، هبوط إلى القعر». وتؤكد: «الأعمال التي تجسّد العنف والمخدّرات لا تفيد بشيء. ماذا أعلّم الناس من خلالها؟ يريدون تقليد الغرب. لماذا لا يفكّرون في مجتمعنا المدمّر ويستوحون القصص منه؟ الناس بحاجة لمن يعطيها الأمل».
وتعتبر أنّ التوجّه اليوم أصبح في أيدي المنتجين الذين اعتمدوا على العنصر الشاب لترويج أعمالهم ونسوا أو تناسوا الكبار الذين يشكّلون أساس الدعم للجيل الصاعد في المهنة.
ما يستفزّها في الدراما اللبنانيّة أنّها «لم تعد تمثّل واقعنا، ولا تضيء على ما يعانيه لبنان من مآسٍ». تشدّد على أنّ «مجتمعنا لا يخلو من المواضيع الجمّة التي يمكن الاستناد إليها لتصوير دراما هادفة، كتقديم حبكة عن عائلة تهجّرت في الحرب وفقدت عزيزًا عليها أو فردًا منها». وتقول: «أُستفزّ لأنّني لا أجد عبرة بما أشاهده».
ترفض يونس المشاركة في عمل معيّن إن لم يكن دورها محوريًّا. «أنا لست تكملة عدد. يجب أن يوصل الدور الذي سأؤدّيه رسالة معيّنة». وتعطي مثالًا عن دور الأمّ الذي أصبح يقتصر على سؤال ابنها عن احتياجاته، بدلًا من أن يكون محوريًّا تُسدي من خلاله النصائح لولدها أو تساعده في حلّ مشكلاته».
شغف وانتماء
على الرغم من عملها في المسرح والتلفزيون وشغفها في التمثيل إلا أنّها تشعر بالانتماء أكثر إلى الإذاعة الأحبّ إلى قلبها لأنّ الإحساس وحده يصل من خلالها. تصف الإذاعة بالمدرسة: «هي أساس عملي في الدبلاج لأنّها علّمتني كيفيّة التحكّم بطبقات الصوت وحسن الأداء».
تعانق طفولتها عندما تجسّد شخصيّة كرتونيّة وتعطيها «روحًا وإحساسًا لكي تصل إلى قلوب الصغار»، مضيفة: «في أعماق كل واحد منا طفل».
وتعتبر التكريمات التي نالتها لفتة وفاء وشكر. «تشجّعني معنويًّا لأنّني أشعر بأنّني مقدّرة وبأنّ أعمالي قيّمة في نظر الناس».
تختم يونس حديثها عبر «قلم غار» بشكر الله: «هو وضعني في امتحان حياة، وأنا أسعى جاهدة كي أرضيه، ولست خائفة ممّا قد يحصل معي لأنّني أعلم أنّ إلهي قويّ، وهو سيساعدني. لتكن مشيئته!».