الأب جورج بريدي
أصدرت دائرة عقيدة الإيمان اليوم وثيقة «ملكة السلام»، بموافقة البابا فرنسيس، معترفةً بالثمار الروحيّة الوفيرة التي يتلقّاها المؤمنون في مديوغوريه من دون إصدار إعلان حول الطابع الخارق للطبيعة للظهورات المريميّة.
الثمار الإيجابيّة في مديوغوريه
تقول وثيقة «ملكة السلام»: «إنّ الأماكن المرتبطة بظاهرة مديوغوريه هي وجهات الحجّاج من كل أنحاء العالم. تظهر الثمار الإيجابيّة في تعزيز ممارسة سليمة لحياة الإيمان المسيحي وفقًا لتقليد الكنيسة. هناك اهتداءات كثيرة للأشخاص الذين اكتشفوا الإيمان أو أعادوا اكتشافه؛ العودة إلى الاعتراف والشركة الأسراريّة، والدعوات الرهبانيّة والكهنوتيّة الكثيرة، والمصالحات الكثيرة بين الأزواج وتجديد الحياة الزوجيّة والعائليّة. كما بُلِّغَ عن حالات شفاء عدّة».
وتضيف الوثيقة الفاتيكانيّة أنّ «رعيّة البلدة الصغيرة في الهرسك هي مكان للعبادة والصلاة والندوات والخلوات الروحيّة وتجمّعات الشباب. ويبدو أنّ الناس يذهبون إلى مديوغوريه قبل كل شيء لتجديد إيمانهم وليس لطلبات محدّدة. كما انطلقت الأعمال الخيريّة التي تهتم برعاية الأيتام ومُدمني المخدّرات وذوي الاحتياجات الخاصّة، كما نرى وجود مجموعات من المسيحيين الأرثوذكس والمسلمين أيضًا».
رسالة السلام
تفحص الوثيقة الصادرة عن دائرة عقيدة الإيمان الجوانب المركزيّة للرسائل، بدءًا من السلام الذي لا يُفهَم على أنّه غياب الحرب فحسب، بل أيضًا بالمعنى الروحي والعائلي والاجتماعي. و«ملكة السلام» هو اللقب الذي تنسبه مريم العذراء إلى نفسها. «لقد قدّمت نفسي هنا كملكة السلام لأقول للجميع إنّ السلام ضروري لخلاص العالم. في الله وحده يمكننا أن نجد الفرح الحقيقي الذي منه ينبع السلام الحقيقي. لذلك، أطلب الارتداد» (رسالة مريم العذراء في 16 حزيران 1983). إنّه السلام ثمرة المحبّة الحقيقيّة والمَعيشة.
أهمّية وجود اللّه في المحور
تشرح وثيقة «ملكة السلام»: «يمكننا أن نتعرّف على جوهر الرسائل التي لا تضع فيها العذراء نفسها في المحور، بل تظهر أنّها موجّهة بالكامل نحو اتّحادنا مع الله. إنّ شفاعة مريم وعملها يخضعان بوضوح ليسوع المسيح باعتباره مصدر النعمة والخلاص في كل شخص. مريم تشفع، لكن المسيح هو الذي يمنحنا القوّة. وبالتالي، فإنّ عملها الأمومي كلّه يتمثّل في دفعنا للذهاب نحو المسيح: “سيعطيكم القوّة والفرح في هذا الوقت. وأنا قريبة منكم بشفاعتي” (25 تشرين الثاني 1993).
كما تدعونا رسائل كثيرة إلى إدراك أهمّية طلب مساعدة الروح القدس في حياتنا».
الدعوة إلى التوبة والارتداد
تشير الوثيقة الصادرة عن دائرة عقيدة الإيمان إلى أنّنا «نجد في الرسائل أيضًا دعوة دائمة للتخلّي عن أسلوب الحياة الدنيوي والتعلّق المفرط بالخيرات الأرضيّة مع دعوات متكرّرة إلى التوبة، ما يجعل السلام الحقيقي في العالم ممكنًا. يبدو أنّ الارتداد في حدّ ذاته هو نقطة ارتكاز رسالة مديوغوريه».
وتتابع: «هناك أيضًا حضّ قويّ على عدم التقليل من خطورة الشرّ والخطيئة. إنّ دور الصلاة والصوم أساسي أيضًا، وكذلك مركزيّة القداس، وأهمّية الشركة الأخويّة، والبحث عن المعنى النهائي للوجود في الحياة الأبديّة».
التوضيحات المطلوبة
في ما يخصّ بعض التوضيحات المطلوبة الواردة في الجزء الثاني من الوثيقة، وذلك لمنع تعرّض كنز مديوغوريه للخطر، من الضروري توضيح بعض الالتباسات المحتملة التي يمكن أن تقود بعض المجموعات إلى تشويه هذه التجربة الروحيّة، بحسب ما ورد في وثيقة «ملكة السلام».
وتوضح الوثيقة الفاتيكانيّة: «إذا قُرِئ بعض الرسائل جزئيًّا، قد يبدو مرتبطًا بتجارب إنسانيّة مشوّشة، أو بتعابير غير دقيقة من وجهة نظر لاهوتيّة أو بمصالح ليست مشروعة تمامًا، حتى لو لم تكن بعض الأخطاء بسبب سوء نيّة. في بعض الحالات يبدو أنّ العذراء تُظهر بعض الانزعاج لأنّ بعض تعليماتها لم تُتَّبَع؛ وبالتالي، تحذّر من علامات التهديد واحتمال عدم الظهور مرّة أخرى. لكن في الواقع، تقدّم رسائل أخرى تفسيرًا صحيحًا: “أولئك الذين يطلقون تنبؤات كارثيّة هم أنبياء كذبة. فيقولون: في سنة كذا، في يوم كذا، ستحدث كارثة. لقد قلت دائمًا أنّ العقاب سيأتي إذا لم يرتدّ العالم. لذلك، أدعو الجميع إلى التوبة” (رسالة مريم العذراء في 15 كانون الأوّل 1983).
ثم هناك رسائل للرعيّة يبدو أنّ العذراء ترغب فيها بالسيطرة على تفاصيل المسيرة الروحيّة والرعويّة، ما يعطي الانطباع بالرغبة في استبدال هيئات المشاركة العاديّة. في أحيانٍ أخرى، تصرّ على الاستماع إلى الرسائل وقبولها، وهو إصرار ربّما يكون سببه المحبّة والحماسة السخيّة للرؤاة الذين كانوا يخشون بحسن نيّة أن يتمّ تجاهل دعوات الأمّ العذراء للتوبة والسلام».
وتردف: «إنّ تلك الرسائل التي تنسب تعبيرَي “خطّتي” و”مشروعي” إلى مريم العذراء عبارة عن إشكاليّات، و”يُمكِن أن تُربِك”. في الواقع، كلّ ما تفعله مريم هو دائمًا في خدمة مشروع الربّ وخطّته الإلهيّة للخلاص. كما يجب ألا نخطئ في أن ننسب لمريم أيّ مكان يُعتبر مكانًا فريدًا وحصريًّا لابن الله الذي صار إنسانًا. بدلًا من ذلك، يشدّد مجمع عقيدة الإيمان على إحدى الرسائل التي يمكن اعتبارها خلاصة لاقتراح الإنجيل من خلال مديوغوريه: “أريد أن أجعلكم أقرب إلى يسوع وقلبه الجريح” (25 تشرين الثاني 1991)».
الموافقة
تقول وثيقة «ملكة السلام»: «يُسمَح للمؤمنين بالالتزام بالوثيقة بحذر. على الرغم من أنّ ذلك لا يعني إعلانًا عن وجود ما هو خارق للطبيعة في ظاهرة مديوغوريه، وتذكيرًا بأن لا أحد مُلزَم بالإيمان بها، فإنّ التفويض يشير إلى أنّ المؤمنين يمكنهم الحصول على حافز إيجابي لحياتهم المسيحيّة من خلال هذا الاقتراح الروحي في مديوغوريه، ويسمح بالعبادة العامّة».
تحدّد الوثيقة أيضًا أنّ التقييم الإيجابي لغالبيّة رسائل مديوغوريه باعتبارها نصوصًا تنويريّة لا يعني بالتحديد أنّ لها أصلًا خارقًا للطبيعة. وعلى الرغم من وجود آراء مختلفة حول صحّة بعض الحقائق أو بعض جوانب هذه التجربة الروحيّة، فإنّ السلطات الكنسيّة في الأماكن الموجودة فيها مدعوّة إلى تقدير القيمة الرعويّة لهذا الاقتراح الروحي وتعزيز نشره أيضًا. وذلك من دون المساس بصلاحيّة كل أسقف أبرشي في اتّخاذ قرارات حكيمة في حال وجود أشخاص أو مجموعات تستخدم هذه الظاهرة الروحيّة بشكل غير لائق وتتصرّف بطريقة خاطئة، وفق ما جاء في الوثيقة الفاتيكانيّة.
في الختام، تدعو دائرة عقيدة الإيمان الذين يزورون مديوغوريه إلى قبول فكرة أنّ رحلات الحجّ ليست للّقاء مع الرؤاة، بل للّقاء مع مريم، ملكة السلام.
تجدر الإشارة إلى أنّ البابا فرنسيس قد وافق في 28 آب الماضي على نصّ وثيقة عقيدة الإيمان الذي يعترف بالثمار الروحيّة الإيجابيّة والكثيرة المرتبطة بظاهرة مديوغوريه، ويأذن للمؤمنين بالالتزام بها. وقد جاء الرأي على الرسائل إيجابيًّا أيضًا، على الرغم من بعض التوضيحات المطلوبة.
———————————————————-
لمن يرغب في قراءة الوثيقة الكاملة الصادرة عن دائرة عقيدة الإيمان، الرجاء الضغط على الرابط الآتي:
وثيقة «ملكة السلام» الصادرة عن دائرة عقيدة الإيمان بشأن الخبرة الروحيّة المتعلّقة بمديوغوريه