شربل غانم
سألتُ نفسي مرّاتٍ عديدة: كيف تكون حياة العائلة المسيحيّة المباركة؟
رأيتُ أنّها نظير الجسد الواحد، كما قال بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: “وما الجَسَدُ عُضوًا واحدًا، بل أعضاءٌ كثيرةٌ. فلو قاَلتِ الرِجلُ: «لسْتُ يَدًا، فما أنا مِنَ الجَسَد؟» ولو قالَت الأُذُنُ: «لسْتُ عينًا، فَما أنا مِنَ الجَسَدِ»، أتَبطُلُ أن تكون عُضوًا في الجَسَدِ؟ فلو كانَ الجَسَدُ كُلُّهُ عينًا، فَأينَ السَمعُ ولَو كانَ الجَسَدُ كُلُّهُ أُذُنًا، فأينَ الشَمُّ؟ ولكِنَّ الله جعَلَ كُلَ عُضوٍ في الجَسَدُ كما شاءَ. فَلَو كانَت كُلُّها عُضوًا واحدًا، فأينَ الجَسَدُ؟ ولكِنَّ الأَعضاَءَ كثيرةٌ والجَسَد واحدٌ” (كو 1: 12/12-20).
هناك بيوتٌ في حياتنا، أغلقت الهموم أبوابها بسلاسل اليأس المرير الذي حجب عن عيونها نور الشمس الإلهيّ، فأمسى بعض أفراد العائلة يعيشون خلف أقنعة الغضب والسلطة والتمرُّد، مُغلقين قلوبهم عن المحبّة والرحمة. لا يعلم كلّ فرد منهم قيمة نفسه ووجوده ودعوة الله له، ولا يعترفُ بتفرّد الآخر ولا يسعى لتقبلّه في حياته، فيجهل عمق محبّة الربّ له، الذي أوجد الآخر لكي يعيش معه في شراكة حُبّ وقداسة، فيُصيب ذلك الجسد الأمراض، وفي بعض الأحيان التفكّك من جرّاء أنانية بعض الأفراد.
لكننا نجد في هذا الزمن، الذي يسود فيه سلطان العالم ويحارب الشرّ العائلات، الكثير من المؤمنين يقبلون البشارة باسم يسوع المسيح، مُسلّمين حياتهم بملئها لعمل الروح القدس، وفيهم تتمّ كلمة الربّ يسوع لتلاميذه: “الروح القدس يَنزِلُ علَيكم، فتَنالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا” (أع 1: 7-8).
أمام قوى الشرّ، كلمة الربّ هي أقوى سلاح، التي تعمل في حياة الإخوة المُباركين، مُختاريه في شهادتهم للإيمان بالمسيح الحيّ. لا أتكلَّم عن إخوة جسديّين بل أعني إخوة روحيّين بروح واحد متّحدين، يلتقون على الصلاة ممجِّدين اسم الربّ، ومن ثمّ يعودون إلى واقع حياتهم يعيشون شهودًا للمسيح. هناك مَنْ بالصلاة يُبشِّرون، وآخرون بخدمتهم يتمجّد اسم الربّ، والبعض الآخر يقبلون المشقّات والاضطهادات وما يأتيهم من عذاب في سبيل البشارة باسم يسوع المسيح. دم الشهادة يسفكون، مُصلِّين لإعادة إحياء الجسد الواحد، على مثال المسيح الذي سفك دمه لخلاص نفوسنا.
العائلة ليست أشخاصًا يعيشون في بيتٍ واحد، بل هي خصب الحياة، فيها يتمجّد الربّ وتنال نِعَمَ السماء، فيها تُغدق على كلّ فردٍ موهبة يتجلَّى الربّ من خلالها. العائلة المسيحيّة المباركة هي التي تحيا على الأرض كنيسة واحدة بهيكل مقدّس، بشراكة مع كنيسة السماء، مع الملائكة والقديسين.
أعطنا يا ربّ عائلات مقدّسة تشهد لحبّكَ في بحر هذا العالم!