جمال الأمين
في جنوب لبنان، حيث اعتاد الأطفال اللعب في الحقول وتحت أشجار الزيتون، تغيّر المشهد وتبدّلت حياتهم بين ليلة وضحاها. أصوات الضحك والصراخ الطفولي تحوّلت إلى أصوات خوف وهلع مع الغارات الجوّية التي ضربت منازلهم. هناك، يُسلب الأطفال حقّهم في الطفولة إذ يعيشون كل يوم في مواجهة الدمار والموت.
الأيّام الأخيرة جلبت معها كابوسًا من الصواريخ والغارات لتُهدَم أحلامهم الصغيرة مع الجدران المتساقطة. في كل زاوية من زوايا القرى الجنوبيّة، ترى البيوت المدمّرة والمدارس التي أضحت تحت الأنقاض. هؤلاء الأطفال لم يعرفوا سوى الحرب والحرمان. وفي الوقت الذي يجب أن تكون فيه المدارس ملاذهم للتعلّم، باتت ملاجئهم من القصف.
لا يجد الأطفال في الجنوب وقتًا للّعب أو لحمل حقائب المدرسة، بل ينشغلون بالبحث عن الأمان في كل لحظة. كلما ارتفع هدير طائرة في السماء، يُغرقهم الخوف، فتراهم يركضون إلى أقرب ملجأ، تاركين خلفهم ألعابهم المحطّمة وآمالهم الممزّقة. لقد باتت الغارات جزءًا من حياتهم اليوميّة، تعيد تشكيل طفولتهم في قالب مسكون بالذعر.
أمام هذا الواقع المأساوي، تتهاوى مقوّمات الطفولة. تختفي الأحلام، ويغدو المستقبل بالنسبة إلى هؤلاء الأطفال بعيد المنال. لا ألعاب، لا مدارس، لا أمان. كل ما تبقّى هو مشهد الغبار المتصاعد من بقايا منازلهم، وصرخات الأمّهات التي تخترق صمت الليل المظلم.
الطفولة المسروقة حقيقة يوميّة يعيشها أطفال الجنوب إذ لا يمرّ يوم من دون أن يكونوا شهودًا على موت آخر جزء من براءتهم تحت أنقاض دمار جديد.
أمام هذا الألم الذي يعيشه أطفال جنوب لبنان، يبقى السؤال: إلى متى سيستمر الدمار؟ هؤلاء الأطفال يستحقون السلام، يستحقون حياة مليئة بالأمان والتعليم والأمل.
باسم اللبنانيين الشرفاء، نناشد المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان وجميع السعاة إلى تحقيق العدالة للعمل على وقف هذه المأساة. يجب أن تنتهي الغارات ويتوقف الدمار، وأن يُفسَح المجال للسلام ليعود إلى أرض الجنوب حتى يتمكن هؤلاء الأطفال من استعادة طفولتهم المسروقة وحلمهم بحياة طبيعيّة وآمنة.