البابا فرنسيس
إن مريم لا توجّه حياتها بشكل مستقل: هي تنتظر أن يأخذ الله زمام طريقها ويوجّهها حيث يشاء. إنها مطيعة، وبجهوزيّتها تُعدّ الأحداث العظيمة التي يشارك فيها الله في العالم. إن التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة يذكّرنا بحضورها الدائم والمحبّ في مخطّط الآب وطول الحياة. كانت مريم تصلّي عندما جاء رئيس الملائكة جبرائيل ليبلغها بالبشارة في الناصرة. والـ”هأنذا” التي قالتها، والتي جعلت في تلك اللحظة الخليقة بأكملها تهتزّ فرحًا، قد سبقها في تاريخ الخلاص العديد من الـ”هأنذا” التي قالها العديد من الأشخاص الذين أطاعوا بثقة وتميّزوا بالجهوزيّة والاستعداد لمشيئة الله.
لا توجد طريقة أفضل للصلاة من الصلاة على مثال مريم العذراء في موقف انفتاح: “يا ربّ، ليكن ما تريده، متى تريد وبالطريقة التي تريدها”. كم من المؤمنين يعيشون صلاتهم بهذه الطريقة! لا يغضبون لأن الأيّام مليئة بالمشاكل، بل يذهبون للقاء الواقع ويعرفون أن في الحبّ المتواضع الذي نقدّمه في جميع الظروف، نصبح أدوات لنعمة الله. إن الصلاة تعرف كيف تهدّئ القلق وتعرف كيف تحوّله إلى جهوزيّة. لقد عرفت العذراء مريم، في لحظات البشارة القليلة، أن تنبذ الخوف، بالرغم من أنها تكهّنت بأن الـ”نعم” ستسبّب لها محنًا قاسية جدًّا. إذا فهمنا في الصلاة أن كل يوم يقدّمه الله لنا هو دعوة، عندها سنوسّع قلوبنا ونقبل كل شيء، ونتعلّم أن نقول: “ليكن ما تريده يا ربّ. لكن عدني فقط بأنك ستكون حاضرًا في كل خطوة في طريقي”.
ترافق مريم بالصلاة حياة يسوع بأسرها، وصولًا إلى موته وقيامته. وترافق في النهاية الخطوات الأولى للكنيسة الأولى. صلّت مع التلاميذ الذين عبروا عار الصليب. صلّت مع بطرس الذي استسلم للخوف وبكى ندمًا. كانت مريم حاضرة بين الرجال والنساء الذين دعاهم ابنها ليكوِّنوا جماعته. صلّت معهم ومن أجلهم. ومرّة أخرى، تسبق صلاتها المستقبل الذي على وشك أن يتحقّق: بواسطة عمل الروح القدس أصبحت والدة الله، وبواسطة عمل الروح القدس، أصبحت أمّ الكنيسة. يشرح التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة: “في إيمان أمته المتواضعة، وجدت عطيّة الله -أي الروح القدس- القبول الذي كان ينتظره منذ بداية الزمان” (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة، عدد 2617).
لقد شبّه أحدهم قلب مريم بلؤلؤة روعتها لا تُضاهى، كوّنها ونقّاها القبول الصبور لإرادة الله من خلال أسرار يسوع التي تأمّلتها في الصلاة. كم سيكون جميلًا إذا تمكّنا نحن أيضًا أن نتشبّه قليلًا بأمّنا! فتكون قلوبنا منفتحة على كلمة الله وصامتة ومطيعة، قلوب تعرف كيف تستقبل كلمة الله وتسمح لها بأن تنمو كبذرة خير للكنيسة.
المصدر: فاتيكان نيوز
مقابلة البابا فرنسيس العامة مع المؤمنين (تشرين الثاني 2020)