إلسي كفوري خميس
سفير المطبخ اللبناني إلى العالم. صدّر الأكل اللبناني إلى أكثر من أربعين دولة، وصولًا إلى الهند، بعدما نال شهرة واسعة على مستوى العالم العربي. هو شيف محبوب ونجم تلفزيوني وإعلاني. في رصيده أربعة آلاف حلقة تلفزيونيّة صُوِّرَت ما بين لبنان ومصر. اكتسب خبرته في إعداد الأطعمة الأوروبيّة، تحديدًا في المطبخ الفرنسي الراقي بعدما تدرّب في قصر الإليزيه على يد أهمّ طبّاخي البلاد في عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران.
37 سنة أمضاها في المهنة، خطّ في خلالها قصّة نجاح وتميُّز وتألق. ثروته الحقيقيّة حبّ الناس واحترامهم. وسرّ نجاحه ابتسامته وخفّة ظلّه وثقته بالله.
بدأ في عمر السادسة عشرة وقد بلغ اليوم الرابعة والخمسين. تزوّج باكرًا في التاسعة عشرة، ودخل عالم البرامج التلفزيونيّة وتوقيع العقود الكبيرة، لعلّ أشهرها «صباح الخير يا عرب» على قناة إم بي سي MBC.
أحدث بلبلة بعدما انتشر خبر اعتناقه الإسلام كالنار في الهشيم. وحاليًّا، يشارك في مبادرة أطلقتها جمعيّة «فرح العطاء» لدعم النازحين الهاربين من الحرب وويلاتها، انطلاقًا من إيمانه بضرورة المساعدة لكونها واجبًا وطنيًّا في هذه الظروف.
إنّه الشيف اللبناني ريشار الخوري الذي يخبر «قلم غار» عن مسيرة حياة مكلّلة بالنجاحات ومفعمة بالإيمان بالله وبمبدأ التعايش بين الأديان.
المساعدة في المحن
لا يبخل الشيف ريشار بمدّ يد العون في أحلك الظروف التي يمرّ بها وطننا لبنان. وانطلاقًا من إيمانه العميق بضرورة تجسيد عمل الربّ، و«بقلب كبير ومنفتح»، تعاون مع جمعيّة «فرح العطاء» في افتتاح مطبخ وتنظيمه وإدارته بهدف تقديم وجبات غذائيّة للنازحين.
يقول الشيف ريشار لموقعنا: «نحن حاضرون من أجل تقديم أيّ مساعدة عند الحاجة من أجل دعم إخوتنا في الوطن. كأننا نجسّد شعار الجيش: شرف، تضحية، وفاء، نؤدّي مهمّتنا. فمن واجب كل إنسان أن يساعد قدر استطاعته، سواء أكانت مساعدته مادّية أم عمليّة».
يصف الوضع الحالي بأنّه «مُزرٍ وصعب جدًّا». ويضيف: «إنّه لأمر محزن ومؤثر أن نرى الناس مشرّدين في الشوارع من دون منازل أو بيوت. الأمّهات تبكي أولادها، والنساء تبكي أزواجها، وجلّ ما نردّده على لساننا عبارة “يا الله”. يجب أن يجسّد الإنسان عمل الربّ في حياته من خلال أعماله ومحبّته ورسالته وعطائه».
الربّ منقذي الدائم
يخبر الشيف ريشار كيفيّة تجلّي الله في حياته، قائلًا: «ألمس حضور الربّ معي في كل لحظة، وأتوكّل عليه بصلواتي المستمرّة. ويجب على الجميع أن يشكروا الله قبل الخلود إلى النوم وفي الصباح، وأن يحمدوه على النعم التي منحهم إيّاها في هذه الحياة».
ويتابع: «المشكلة تكمن في أنّ الإنسان يتذكّر الله في الأوقات الصعبة. يجب أن لا ننسى أهمّية حضور الربّ في لحظاتنا السعيدة، وأن نحمده دومًا على تلك النعمة، وأن نبقى على تواصل مستمرّ معه. ليس بالضرورة أن نقصد الكنيسة أو الجامع حتى نتواصل مع الله، إنّما الترابط يمكن أن يحصل في أيّ مكان وزمان. للأسف، كثر الملحدون في زمننا. يجب أن يقتنع الإنسان بأنّ وجوده في هذا العالم هو بفضل الخالق، وعليه أن يعيش حياته بفرح وسعادة ويقوم بكامل واجباته تجاه الخالق. يجب ألا نتخطى حقيقة وجود الله، وأن لا نسمح لأنفسنا بأن نشكّك ولو للحظة واحدة بوجوده».
يستذكر الشيف ريشار والده الذي كان له الأثر الأكبر في تربيته، فيقول: «ما زلت أقتدي بملاحظاته، وأتذكّر قوله: “عند تغيير الدول، احفظ رأسك”، ولا سيّما في الظروف الحاليّة». ويردف: «أنا بدوري نبّهت أولادي من أخطار الحياة، ودعوتهم إلى سلوك طريق الصواب. الأهل هم أساس التربية الصالحة والسليمة ونعمة من الربّ».
يؤكد الشيف ريشار شعوره بأنّ الله دائمًا موجود معه، وأنّه تخطّى الكثير من الصعوبات بفضله. يروي أكثر اللحظات التي أثّرت فيه، إبّان الحرب الأهليّة، حين كان ما زال ولدًا. يقول: «سلكت طريقًا معاكسًا للسير، وأدركت بعدها أنّ الطريق الذي كان من المفترض أن أسلكه قد قُصِفَ بعشرات القذائف. الله أنقذني بفضل صلواتي وتضرّعاتي إليه، عدا عن حوادث كثيرة تحصل معي، في خلال سفري أو عملي، أشعر فيها بأنّ الأبواب أُقفلت في وجهي. لكن أموري تعود وتصبح يسيرة. من خلال ذلك، أحسّ بأنّ الربّ إلى جانبي. الله رحوم وكريم شرط أن نلتجئ إليه ونطلب منه». ويتابع: «الصلاة مهمّة لكن الأعمال الخيّرة مهمّة أيضًا، كمساعدة مريض أو محتاج. هي نوع من الصلاة، ولها صدى عند الله».
بين المسيحيّة وإشهار الإسلام
لا يفرّق الشيف ريشار بين دين وآخر، فهو ابن بلدة عاليه حيث نشأ في بيئة مختلطة واعتاد منذ صغره على التعايش بين الأديان. يخبر: «منذ صغري، كنت منفتحًا على العادات والتقاليد الإسلاميّة. أنا المسيحي، من جذور أرمينيّة، جمعتني صداقة بشخص درزي وآخر مسلم. كنا نمضي معظم أوقاتنا معًا؛ عندما أدخل الكنيسة، يدخلان معي. وبدوري، كنت أرافقهما إلى الجامع. ننزع أحذيتنا ونستمع إلى خطبة الجمعة. كنت أحبّ الاستماع إلى آذان الفجر».
منذ قرابة السنتين، انتشر للشيف ريشار فيديو يظهر فيه مع أحد المشايخ وهو ينطق الشهادتين، وأوضح وقتها أنّ ذلك من منطلق احترام الأديان. هو لا يزال مسيحيًّا مارونيًّا على أوراقه الثبوتيّة. ويروي لموقعنا خلفيّات هذا الفيديو، قائلًا: «أُغرمت بامرأة هنديّة مسلمة في أثناء زيارتي الهند. كانت ترفض الزواج من مسيحي. بالنسبة إليّ، لم تكن لديّ مشكلة في أن أغيّر ديانتي طالما أننا نؤمن بالله الواحد. أحد أصدقائي دلّني على شيخ، أخبرته يومها أن لا مشكلة عندي في أن أكون مسلمًا أو مسيحيًّا ومازحته بالقول: هكذا أربح مفتاحين للجنّة. فقال لي عندها: “هل تشهد؟”. لم يكن لديّ مانع من أن أشهد. فأنا لا أرى مشكلة في ذلك لأنّ كلام الله في كلا الديانتين جميل جدًّا. وفي النهاية، الربّ للجميع. أنا اليوم أصلّي في الكنيسة والجامع، وأردّد صلاة الأبانا وأقرأ الفاتحة أيضًا».
الثروة الحقيقيّة
للشيف ريشار متابعون كثر عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي. فهو طبّاخ مشهور ومحبوب. ما المميّز فيه؟ يجيب قائلًا: «من يعطي قيمة لعمله ينجح. تعبت كثيرًا لأبلغ ما وصلت إليه اليوم. عشقت مهنتي، وكنت في عمر المراهقة أشاهد الشيف أنطوان والشيف رمزي على التلفاز. أعطيت المهنة كثيرًا، فردّت ليّ الجميل».
ويردف: «قيل في الماضي: كل إنسان فاشل يلجأ إلى المطبخ، لكنني أثبتُّ أنّ تلك المقولة خاطئة. عملت كثيرًا مع طهاة لهم باع طويل في المهنة، لكنهم كانوا يستخدمون الألفاظ النابية في أثناء العمل. أمّا أنا، فكنت أتميّز بتهذيبي ونظافتي واحترامي للآخرين وابتسامتي. تلك الأمور كانت مفقودة عند غيري».
ويضيف: «عدا عن ذلك، أتمتّع بطلاقة في الكلام، وقد تأثرت بالإعلامي الكبير الراحل رياض شرارة وبالإعلامي جورج قرداحي وأيضًا بوالدي الذي كان تاجرًا وصوّر الكثير من الإعلانات، أشهرها إعلان “باريلا معكرونة”. هذه الصفات الثلاث: الطلّة النظيفة والابتسامة الجميلة والكلام الحلو والموزون، بالإضافة إلى التعامل باحترام وعدم التجريح والأكل الطيّب كلها عوامل ساهمت في نجاحي وشهرتي في الكثير من البلدان العربيّة».
يقرّ الشيف ريشار بأنّه كان يستطيع أن يجمع ثروة طائلة تقدّر بملايين الدولارات لكنه اكتفى بما أعطاه إيّاه الله. يقول: «الثروة الحقيقيّة التي جمعتها هي محبّة العالم، واحترامهم. وأينما حللت، أكان في لبنان أم في الدول العربيّة، أترك أثرًا طيّبًا. وهذا انعكاس لمحبّة الله أيضًا».
ويختم الشيف ريشار حديثه عبر «قلم غار» بشكر الربّ على والديه، وعلى فضلهما وتضحيتهما، وعلى ولديه ناتاشا (30 عامًا) وكريستوفر (28 عامًا) وعلى كل النعم في حياته. وينهي كلامه قائلًا: «الربّ سهّل لي طريقي، وأحمده على كل الأمور الإيجابيّة في حياتي، وآمل بأن يغدق عليَّ المزيد من النعم كي أواصل مسيرتي».