إلسي كفوري خميس
شهد العام 1924 ولادة رسالة الرهبانيّة المارونيّة المريميّة في الأوروغواي، وواجهت في مسيرتها تحدّيات وصعوبات عدّة، منذ زمن الآباء المؤسّسين حتى يومنا الحالي، ولا تزال مستمرّة في الحفاظ على إرثها العظيم.
2024 هي سنة يوبيليّة تحتفل فيها الكنيسة المارونيّة بالمئويّة الأولى لتأسيس رسالتها في الأوروغواي عبر نشاطات أطلقتها منذ آذار الماضي.
عمل الربّ وجسر تواصل
في حديث خاص إلى «قلم غار»، تناول الأب سيزار لحود، رئيس رسالة الرهبانيّة المارونيّة المريميّة في الأوروغواي وكاهن رعيّة سيّدة لبنان-مونتيفيديو الإنجاز الكبير الذي حقّقته الكنيسة المارونيّة في البلاد، واصفًا إيّاه بـ«عمل الربّ من خلالنا».
وشرح: «ما نعيشه حاليًّا في هذه السنة اليوبيليّة هو نعمة كبيرة تتمثّل في الجمع بين جماعة الرعيّة المحلّية أي إخوتنا أهالي الأوروغواي مع المتحدّرين من أصل لبناني، من خلال النشاطات التي نقوم بها في البلد. وهذا العمل هو ثمرة تعاون بين كهنة رسالة الرهبانيّة المارونيّة المريميّة وأعضاء المجلس الرعوي واللجنة المؤلفة من المتحدّرين من أصل لبناني».
وأوضح: «صحيح أنّ ظروف الخدمة مختلفة اليوم عن فترة التأسيس، لكن الهدف يبقى واحدًا، وهو خدمة الكنيسة الجامعة، جسد المسيح السرّي، فضلًا عن الاستمرار بتلك الخدمة والمحافظة على وجودنا ككنيسة مارونيّة وكرهبانيّة وكجسر تواصل بين لبنان والأوروغواي».
في سياق متصل، تحدّث الأب لحود عن الحدث الروحي الذي سيشهده مزار «سيّدة لبنان»-حريصا في السابع والعشرين من حزيران الحالي، مشدّدًا على أهمّيته باعتباره تتويجًا للعلاقة والشراكة الروحيّتين بين لبنان والأوروغواي.
إلى ذلك، أكد الأب لحود أن دور رسالة الرهبانيّة المارونيّة المريميّة شمل منذ تأسيسها في العام 1924 الصعد الروحيّة والرعويّة والثقافيّة، لكون لبنان لم يكن مستقلًا بعد. وبالتالي، لم تكن هناك سفارة لبنانيّة في الأوروغواي. وقد تحوّل مركز الرسالة إلى مركز لقاء للجالية اللبنانيّة وجسر تواصل مع الوطن الأمّ، ونشأت فيه، مع الوقت، مؤسّسات وجمعيّات عدّة لا تزال حتى اليوم مركز تواصل وتنسيق، بحسب الأب لحود.
بدايات الرسالة وانطلاقها
تُمثّل رسالة الرهبانيّة المارونيّة المريميّة الحضور الوحيد للموارنة في الأوروغواي، ويشمل نطاقها الرعوي كل البلاد. ومع مرور الوقت، بدأت الرعيّة تخدم المؤمنين اللاتين من مواطني الأوروغواي، وأصبح لديها نطاق رعوي تابع لأبرشيّة مونتيفيديو.
في هذا السياق، ذكّر الأب لحود بحقبة انطلاق رسالة الرهبانيّة المارونيّة المريميّة، لافتًا إلى أنّها تأسّست من أجل تلبية حاجة رعويّة للموارنة الذين هاجروا من لبنان وسوريا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد طالبوا السلطة الكنسيّة المحلّية ورئيس أساقفة مونتيفيديو بكاهن ماروني يفهمون لغته كي يحتفل بالأسرار المقدّسة ويسمع اعترافاتهم.
وأضاف: «بعد مراسلات عدّة بين مطرانيّة مونتيفيديو اللاتينيّة والكرسي الرسولي والبطريركيّة المارونيّة والرهبانيّة المارونيّة المريميّة، أرسل مجمع الكنائس الشرقيّة الأباتي جرجس شليطا مرسلًا لخدمة الموارنة في الأوروغواي، وهو أسّس مع أخيه الأب يوسف شليطا الرسالة ومركزها الحالي رعيّة سيّدة لبنان في مونتيفيديو».
تحدّيات والتزامٌ ثابت
لم تكن مسيرة رسالة الكنيسة المارونيّة في الأوروغواي محفوفة بالورود، إنّما واجهت صعوبات وتحدّيات كثيرة، أوّلها بحسب الأب لحود، تَمثّل في اختلاف البيئة والمجتمع الذي ينخرط فيه أبناء الجالية اللبنانيّة، وقد شكّل لهم نوعًا من صدمة ثقافيّة.
واستنتج الأب لحود: «لذلك، أصرّوا على أن يكون الكاهن ملقّن أولادهم التعليم الديني والتربية المسيحيّة. لهذه الغاية، أسّست رسالة الرهبانيّة المارونيّة المريميّة في بداياتها مدرسة لتعليم الأولاد وتطوّرت مع الوقت وأصبحت تحمل اسم سيّدة لبنان».
وأشار الأب لحود إلى التحدّي الثاني الأصعب المتمثّل في الحروب التي أدّت إلى موجة هجرة كبيرة، ولا سيّما في الحرب العالميّة الأولى. في خلال تلك الفترة، أي فترة تأسيس رسالة الرهبانيّة المارونيّة المريميّة، اهتمّ المؤسّسون بالجالية اللبنانيّة وبأبناء رعيّتهم من جهة، وسعوا إلى تأمين مساعدات قدر المستطاع للبنان من جهة أخرى.
وأضاف: «أمّا التحدّي الأكبر اليوم فهو العلمانيّة والإلحاد. كانت الأوروغواي البلد الأوّل في أميركا اللاتينيّة الذي شهد العلمنة وحَذَفَ أيّ ذكر لله من الرزنامة المدنيّة، وهذا الأمر دفع بمسيحيين كثر إلى الانخراط في تلك الأجواء». وأردف: «نسعى إلى جانب الكنيسة الكاثوليكيّة المحلّية للمحافظة على الهويّة والثقافة المسيحيّة المتجذّرة في تلك الأرض، على الرغم من كل التيّارات التي تدعو إلى العلمانيّة والتحرّر وإلغاء الله».
واستطرد قائلًا: «برز تحدٍّ آخر بسبب جائحة كورونا التي دفعت بكثيرين إلى عدم الاختلاط ببعضهم. إلى جانب الأعداد الضئيلة، إنّ أغلبيّة الملتزمين في الرعيّة هم أشخاص متقدّمون في السنّ، وليس سهلًا اجتذاب شبيبة ملتزمة. شكّل ذلك تحدّيًا وحافزًا في الوقت نفسه حتى نعمل في الرعيّة ونحافظ عليها وعلى هذا القطيع الصغير، قطيع المسيح».
وختم الأب لحود حديثه عبر «قلم غار»، قائلًا: «منذ عشرين سنة إلى اليوم، تراجع الالتزام المسيحي كثيرًا في كل الرعايا. صحيح أنّ التحدّي يكمن في الأعداد الضئيلة، إنّما الأشخاص الملتزمون مقتنعون بالتزامهم لأنّ خيارهم يعاكس توجّه المجتمع».
الجدير بالذكر أن الاحتفالات بمئويّة رسالة الرهبانيّة المارونيّة المريميّة قد افتُتحت في 10 آذار 2024 بقداس شكر ترأسه الأباتي إدمون رزق، الرئيس العام للرهبانيّة المارونيّة المريميّة، في كنيسة سيّدة لبنان في مونتيفيديو، بمعاونة الأب سيزار لحود، رئيس رسالة الرهبانيّة المارونيّة المريميّة في الأوروغواي، والأب كمال سمعان، وكيل الرسالة في البلاد، والأب جان مارون الهاشم، المدبّر العام في الرهبانيّة المارونيّة المريميّة، والأب ميلاد أنطون، رئيس الرسالة في الأرجنتين، وبمشاركة لفيف من الكهنة، وحضور السفير البابوي في الأوروغواي المطران جيان-فرانكو غالوني وسفراء لبنان وبعض الدول العربيّة وأبناء الجالية اللبنانيّة وأصدقاء الرهبانيّة المارونيّة المريميّة.
كما أُعْلِنَ منح البابا فرنسيس إنعام الغفران الكامل لجميع المؤمنين الذين يزورون الكنيسة الرعائيّة في سنة اليوبيل.