شربل غانم
«لو تَكلَّمتُ بِلُغاتِ الناسِ والملائِكةِ، ولا مَحبَّة عِندي، فما أنا إلّا نُحاسٌ يَطِنُّ أو صَنْجٌ يرِنُّ. وَلَو وَهَبَني الله النبوَّةَ وَكُنتُ عارفًا كلَّ سِرٍّ وَكلَّ علمٍ، وليَ الإيمانُ الكاملُ أنقُلُ بِهِ الجِبالَ، ولا مَحبَّةَ عِندي، فَما أنا بِشيءٍ. وَلَو فَرَّقتُ جميعَ أَموالي وسَلَّمْتُ جَسَدي حتّى أفتَخِرَ، ولا مَحبّةَ عندي، فما يَنْفَعُني شيء. المَحبّة تَصبِرُ وتَرفُقُ، المَحبّةُ لا تَعرِفُ الحسَدَ ولا التَّفاخُرَ ولا الكِبرياء. المَحبّةُ لا تُسيءُ التَّصَرُّفَ، ولا تطلبُ مَنفعَتَها، ولا تَحْتَدُّ ولا تظُنُّ السّوء. المَحبّةُ لا تفرحُ بِالظّلمِ بلْ تَفْرَحُ بِالحَقِّ. المحبّة لا تزولُ أبدًا. أمّا النُبُوءات، فتَبطُلُ والتكلُّمَ بِلُغاتٍ ينتهي. والمعرفةُ أيضًا تَبطُلُ لأنَّ مَعرِفتُنا ناقِصةٌ ونبوّاتنا ناقصةٌ. فَمتى جاءَ الكامِلُ زالَ الناقصُ» (1 كو 13: 1-11).
جميعنا نرغب بأن نُحِبّ وأن نكون محبوبين، لكن يجوز أن البعض قد يجهل عمق المحبّة، فتبقى على لسانهم ويجهلون عمقها. المحبّة ليست بشيء يبحث عنه الإنسان، بل هي من طبيعته لأن الله خلقنا على صورته ومثاله (تك 1: 28)، ولأنّه حُبّ لم يكتفِ به لذاته بل شاركنا هذه المحبّة بيسوع الكلمة المُتجسّد الذي جسّد المحبّة وعاشها في واقع حياته. لمس يسوع قروح الأبرص وغفر خطايا الزانية وشفى المنزوفة، وسط جموع يسمعون تعاليمه، ليُعيد لها كرامتها، في عالم نبذها بسبب مرضها. بكى يسوع حينما مات أليعازر، فأظهر صدق الحُبّ المُعاش، قبل أن يُقيمه من الموت… أظهر يسوع المحبّة بعيشه مع من سيُسلِّمه للموت ومع الذي يُحبّه لكنه سينكره بسبب خوفه، ومن بعدها سيُسلّمه مفاتيح السماء وقيادة كنيسته. أظهر الحبّ حينما عاش مسيرة العذاب، منذ أن سلَّمه صديقه يهوذا الإسخريوطي بقُبلة الخيانة إلى الحكم بالموت والجلد وإكليل الشوك وحمل الصليب. أوصى يسوع بالحبّ عند رؤية مريم أمّه تحت الصليب وقربها التلميذ الحبيب، وهبنا بشخص يوحنا مريم العذراء أمًّا (يو 19: 26). مات يسوع لأنّه أحبّنا وأظهر حُبَّه بتقديم ذاته ذبيحة ليُخلِّص نفوسنا، فوهبنا الحياة الجديدة بقيامته المجيدة من بين الأموات.
أن تُحبّ يعني أن تثق بأنّ يسوع المسيح في أعماق كل إنسان، هو الذي يدعوك ويعيش معك وأنت معه. حينما تُحِبّ تهب الحياة باسم يسوع المسيح. المحبّة ليست بأعمال الرحمة والكلمة العذبة… أن تُحبّ يعني أن تغفر لأخيك وتهبه نعمة الحياة من جديد. المحبّة هي أن تحبّ وتعيش مع من يبغضك لأن قداستك تكمن في محبّتك لمن يُسيء إليك أكثر ممّن يحبّك وتحبّه. فمحبّتنا تكمن بالشهادة التي تكشف هويّتنا المسيحيّة، ليست المحبّة التملُّكيّة بل تلك المُضحّية في سبيل الحياة الإلهيّة، ونحن للمسيح خُلقنا. ليست الحياة سهلة في اختباراتنا إذ نمرّ بأفراح وتجارب عدّة، نتألّم ونُجرح… لكن من يتأمّل بعمق محبّة يسوع المسيح، يؤمن بكلمة الربّ، ويُمْسِي شاهدًا للحبّ الإلهيّ الذي يحررّ روحه ويشفي جروحه بختم حبّه الإلهي.