أسرة تحرير «قلم غار»
أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم، في خلال ترؤسه القداس الإلهي في المقرّ البطريركي الصيفي في الديمان، أنّ الحرب خسارة للجميع، مشدّدًا على أنّ المجتمع الدولي مُطالَب بالعمل الجدّي لإيقاف دورة القتل والدمار عندنا، تمهيدًا لإحلال السلام العادل.
واعتبر الراعي أن اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله فتح جرحًا في قلب اللبنانيّين، مشيرًا إلى أنّ الشهادة المتوالية لقادة مسيحيّين ومسلمين آمنوا بقضايا الحقّ والعدالة ونصرة الضعفاء هي حصن الوحدة بين اللبنانيّين، ووحدة الدم والانتماء والمصير.
وقال: «لتكن هذه الحلقة من الشهادة المتوالية بابًا نستفيد منه لتعميق وحدتنا، وتعزيز دور لبنان الوطن الرسالة. ولكنّه لن يستطيع أن يؤدّي رسالته إلا بحياده الإيجابي الناشط».
ورأى البطريرك الماروني أنّ الأوان قد آن ليدرك جميع اللبنانيّين أن ليس لهم من معين ومساند سوى أنفسهم متضامنين وملتزمين إدارة شؤون البيت اللبناني بروح الميثاق الوطني في دولة القانون والمؤسّسات.
وجاء في عظة الراعي ما يأتي:
«وتظهر في السماء علامة ابن الإنسان» (متى 24: 30)
1.يتناول إنجيل اليوم النهايات والواقعات الجديدة التي تحصل في آخر الأزمنة، ويظهر معها مجيء المسيح ابن الإنسان في مجده: «فتظهر في السماء علامة ابن الإنسان وترى الشعوب المرتعدة والنائحة ابن الإنسان آتيًا بقدرة ومجد عظيم» (متى 24: 30).
النصّ الإنجيلي مؤلّف من أربعة أقسام. في القسم الأوّل، ينبّهنا الربّ يسوع من محنة التضليل التي يواجهها المؤمنون والمؤمنات على يد مضلّلين يسميّهم الربّ «المسحاء الكذبة» و«الأنبياء الكذبة» (متى 24: 23-26). في القسم الثاني، يستعرض ربّنا يسوع علامات نهاية الأزمنة: «الشمس والقمر يظلمان، والنجوم تتساقط، والفلك يتزعزع» (متى 24: 29). في القسم الثالث، يصف ربّنا مجيئه الثاني بالمجد: «تظهر علامة ابن الإنسان، حاملًا صليب الفداء، آتيًا على السحب بقوّة ومجدٍ عظيم» (متى 24: 30). في القسم الرابع، يتكلّم الربّ عن قيامة الموتى، وجمع كل الجنس البشري، وحشده أمامه بواسطة ملائكته الذين يدعون المختارين بصوت البوق» (متى 24: 31).
2.يسعدني أن أرحبّ بكم جميعًا، وأن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة لراحة نفوس ضحايا الحرب الدائرة على أرضنا، ولشفاء الجرحى، ولعزاء عائلات الضحايا. ونسأل الله أن يمنحنا هبة السلام، وأن يضع حدًّا للحرب بالمفاوضات والطرق الدبلوماسيّة، فالحرب تدمّر المنازل وتهجّر أهلها وتقتل. إنّ كل الأطراف خاسرون ومغلوبون وجنى الأعمار في حالة خراب ودمار بلحظة. أمّا إعادة البناء، فتقتضي أموالًا ووقتًا طويلًا.
3.نحن نعلن في قانون الإيمان مجيء الربّ يسوع بالمجد: «وأيضًا يأتي بمجدٍ عظيم، ليدين الأحياء والأموات». ونضيف: «ونترجّى قيامة الموتى والحياة الجديدة». انتظار مجيء الربّ بالمجد قائم منذ صعوده إلى السماء، كما وعد الملاك التلاميذ الأحد عشر (راجع أعمال 1: 11). ولكن لا أحد يعلم موعد مجيئه الذي حدّده الآب (أعمال 1: 7). غير أنّ المسيح الربّ ظلّ على أرضنا من خلال كنيسته. ويواصل عمل الفداء فيها بقوّة الروح القدس. وهكذا ملكوت المسيح حاضرٌ سرّيًّا في الكنيسة التي هي زرعه وبدايته على الأرض (نور الأمم، 5). ويكتمل الملكوت بانتصار الله النهائي على الشرّ بمجيء المسيح بالمجد في نهاية الأزمنة. فيكون انتصار الخير النهائي على الشرّ، كما جاء في مثل القمح والزؤان (متى 13: 37-40).
4.إيماننا بمجيء الربّ بالمجد للدينونة، يضعنا في موعد دائم معه كل يوم لأنّه يأتي لكي ينتصر من خلالنا وبواسطتنا على الشرّ الذي نواجهه ويجرّبنا. يأتي إلينا كل يوم بكلامه الإنجيلي، وبإلهامات الروح القدس، وبنعمة الأسرار التي تقوّينا وتعطينا المناعة بوجه تجارب الحياة. مجيئه بالمجد هو خاتمة مجيئه اليومي المتكرّر عبر جميع الناس. وهكذا ينتصر على الشرّ، ويعمّ الخير. المسيحيّون مدعوّون لخلق هيكليّة خير في وجه هيكليّة الشرّ.
5.إيماننا بالنهايات والواقعات الجديدة بعد الموت ونهاية العالم، يتّخذ حالة الانتظار والرجاء، ونعني بها حالة الالتزام. الإيمان بالمسيح، مع تمييزه من «المسحاء الكذبة»، ينير دربنا ودرب جميع الذين يبحثون عن الله، وينير حوارنا مع أتباع الديانات الأخرى. هذا الإيمان المنير يعلّمنا أيضًا أنّ الله يكافئ كل من يبحث عنه، إذ يأتي لملاقاته على طريقه ويحاوره. ما يعني أنّ الله ليس عقيدة أو شيئًا أو مبادئ ومعارف، بل هو قبل كل شيء شخص له أحاسيسه ومشاعره، وله علاقاته مع البشر.
6.لقد جاء اغتيال السيّد حسن نصر الله ليفتح جرحًا في قلب اللبنانيّين. إنّ الشهادة المتوالية لقادة مسيحيّين ومسلمين آمنوا بقضايا الحقّ والعدالة ونصرة الضعفاء هي حصن الوحدة بين اللبنانيّين، ووحدة الدم والانتماء والمصير. إنّها الشهادة التي اختارها مؤمنون من كلّ المكوّنات اللبنانيّة فتساووا معها، وتركوا لنا دعوة الأمانة والوفاء لشهادتهم في سبيل وطن أحبّوه، وإن اختلفت رؤيتهم إلى إدارته والممارسة السياسيّة فيه. لذلك، كانت دعوتهم الراسخة في شهادة الدم التي أدّوها لكي نتساوى جميعًا في مشروع دولة لبنان المنشودة التي نستبدل فيها أسباب الفشل والسقوط بأسباب النجاح معًا. إنّ دم الشهداء يصرخ إلينا للدفاع عن لبنان بوجه كل اعتداء، وإلى انتخاب رئيس للجمهوريّة يعيد للبنان مكانه وسط الدول. إنّ المجتمع الدولي مطالَب بالعمل الجدّي لإيقاف دورة الحرب والقتل والدمار عندنا، تمهيدًا لإحلال السلام العادل الذي يضمن حقوق كل شعوب المنطقة ومكوّناتها. لقد آن الأوان ليدرك جميع اللبنانيّين أن ليس لهم من معين ومساند سوى أنفسهم متضامنين متّحدين في ما بينهم، ملتزمين إدارة شؤون البيت اللبناني بروح الميثاق الوطني في دولة القانون والمؤسّسات. لقد دفع اللبنانيّون أثمانًا باهظة نتيجة الخروج على هذا الالتزام، فتزعزعت الثقة الداخليّة والخارجيّة، واهتزّ بناء الدولة. فلتكن هذه الحلقة من الشهادة المتوالية بابًا نستفيد منه لتعميق وحدتنا، وتعزيز دور لبنان الوطن الرسالة. ولكنّه لن يستطيع أن يؤدّي رسالته إلا بحياده الإيجابي الناشط. إنّنا فيما نبدي مشاعر التعزية الشخصيّة لعائلة ولبيئة السيّد حسن نصر الله، نسأل الله لها الصبر والعزاء.
7.فلنُصَلِّ، أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء لراحة نفوس جميع الضحايا وشفاء المرضى وعزاء عائلاتهم، ومن أجل انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة يعمل على إيقاف النار والذهاب إلى المفاوضات السلميّة والديبلوماسيّة. ونرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.