أسرة تحرير «قلم غار»
شجب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في خلال ترؤسه القداس الإلهي اليوم في المقرّ البطريركي الصيفي في الديمان، المشهديّة الاستعراضيّة المقيتة في احتفال افتتاح أولمبياد باريس 2024، معتبرًا إيّاها «دليل إفلاس وعلامة حقد على المسيح والمسيحيّة ومقدّساتها».
ودعا الراعي المؤمنين إلى الصلاة تكفيرًا عن هذه الإهانة لسرّ القربان وقلبَي يسوع ومريم.
وجاء في عظة الراعي ما يأتي:
«اليوم صار الخلاص لهذا البيت» (لو 19: 9)
1.لمّا أعرب زكّا عن توبته، وعن التعويض عن خطاياه بمنح نصف مقتنياته للفقراء، وبردّ أضعاف لمن ظلمهم، قال له يسوع: «اليوم صار الخلاص لهذا البيت» (لو 19: 9). ما يعني أنّ التوبة الحقيقيّة قائمة على الإقرار بالخطايا والتعويض عنها. وإلا إمّا ظلّت التوبة أمرًا خارجيًّا كأنّها لم تكن، وإمّا لم تُمارَس أبدًا وهذا أمرٌ أخطر.
فلنُصَلِّ في هذه الليتورجيا الإلهيّة كي يمنحنا الروح القدس التوبة الحقيقيّة، ونمارسها لكي ننال الخلاص الذي أعلنه المسيح الربّ لزكّا، وهو الغاية من رسالة الخلاص الذي أتمّه «مائتًا عن خطايانا، وقائمًا لتقديسنا» (راجع 1 كور 15: 2-3). وهو الغاية من رسالة الكنيسة والكهنوت.
2.يسعدني أن أحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهيّة، مرحّبًا بكم جميعًا وبخاصّة باتحاد لجان الأهل في كسروان وجبل لبنان في المدارس الكاثوليكيّة، وبوفد من الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانيّة الذين ينتظرون حلّ مشكلة تفرّغهم. وأوجّه تحيّة خاصّة لعائلة المرحومة كلير نمر ساسين بو خليل، أرملة المرحوم خليل مخايل بو طانوس، وعلى رأسهم الأب مالك بو طانوس، الرئيس العام السابق لجمعيّة المرسلين اللبنانيين الموارنة. ونذكر من بين أبنائها عزيزنا ماجد، مصمّم الأزياء الكنسيّة الذي قدّم للكرسي البطريركي العديد من الغفارات والتيجان. ونذكر جميع أبنائها الأربعة وبناتها الثلاث وعائلاتهم وقد عاشوا على مبدأ الوالدين في خدمة الكنيسة والرعيّة والعائلة. ونذكر معهم جميع الأنسباء. نصلّي في هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفس المرحومة كلير وعزاء أسرتها.
3.عندما أعلن زكّا العشّار توبته، أعلن الربّ يسوع الغاية من موته وقيامته: «لأنّ ابن الإنسان جاء ليبحث عن الهالك، فيخلّصه» (لو 19: 10). فزكّا رئيس العشّارين والغني كان «هالكًا» بسبب خطاياه التي أقرّ بها وهي: عدم الاكتراث بالفقراء، وظلم من كان يجمع منهم الجباية. فقرّر منح الفقراء نصف مقتنياته، وردّه للذين ظلمهم أربعة أضعاف. وكان زكّا معروفًا بأنّه خاطئ علنًا لسببين: الأوّل لأنّه من خلال جباية المال كان يختلس ظلمًا، والثاني لأنّه كان يجبي العشر للدولة الرومانيّة الوثنيّة المحتلّة، فكانوا يعتبرونه عميلًا.
4.أكرم يسوع زكّا العشّار والغني المعروف بأنّه خاطئ علنيّ، إذ دعاه باسمه، ودخل بيته، وجلس إلى مائدته. لكن زكّا قدّر هذه النعمة وأجرى توبة جذريّة في حياته. وصنع الفرق. فالأغنياء الذين قال عنهم الربّ إنّه «عسير عليهم أن يدخلوا ملكوت السماوات» (متى 19: 23)، زكّا لم يعد واحدًا منهم بتوزيع نصف أمواله على الفقراء. ويمكن أن نقول، إذا جاز التعبير، إنّه اشترى بماله ملكوت السماوات. ألم يقل الربّ يسوع لذاك الشاب: «اذهب بِعْ كلّ ما لك، وأعطه للفقراء، فيكون لك كنزٌ في السماء، وتعال اتبعني!» (متى 19: 21).
لم يكن المال عائقًا في حياة زكّا، بل كان عونًا له لكسب مجد المسيح. علينا نحن أن لا نبذّر ما نملكه على العيش الرغيد، بل أن نهبه لأجل الخلاص. ليس في المقتنيات إثم لأنّها هبة من الله ونعمة، بل في سوء استعمالها. عند البعض يكون المال فرصة للخلاص، وعند آخرين علّة للدينونة. كم هو مهمّ أن نقدّر نعمة الله، ونكون على مستوى ما تقتضي منّا! هذا هو باب الخلاص والسعادة والفرح الحقيقي الذي يملأ القلب ويدوم ويُنشر في محيط صاحبه.
5.كم نتمنّى لو أنّ السياسيين وأصحاب النفوذ، المعرقلين انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ سنة وثمانية أشهر، عادوا إلى أعماق نفوسهم، وأصغوا إلى صوت ضميرهم، صوت الله في أعماقهم، لأدركوا خطأهم الجسيم وتابوا عنه، واتخذوا قرارًا تاريخيًّا حرًّا، ولأنقذوا أنفسهم والبلاد.
إنّ مجتمعنا اللبناني بات يعيش في هيكليّة خطيئة لأنّ كلّ واحد يخطأ ولا يتوب عن خطيئته، ما جعل الخطيئة غير موجودة، أو خطيئة اجتماعيّة لا أحد مسؤول عنها.
إنّنا ندعوهم واحدًا واحدًا إلى تحمّل مسؤوليّة خراب البلاد بمؤسّساته الدستوريّة، وبالميثاق، وبحالة الاقتصاد المنهار، وبازدياد الفقر وهجرة خيرة شبابنا. إنّنا ندعوهم إلى اتخاذ قرار شجاع مثل زكّا، مدركين خطأهم الكبير بحقّ الشعب اللبناني الذي ائتمنهم على السلطة لخيره.
6.من دواعي الاشمئزاز والغضب تلك المشهديّة الحقيرة واللاأخلاقيّة المعادية للسيّد المسيح وللمسيحيّة التي ظهرت في افتتاحيّة الألعاب الأولمبيّة في باريس أوّل من أمس. فيا للانحطاط الأخلاقي الذي بلغ ذروته وهو دليل إفلاس من جهة، وعلامة حقد على المسيح والمسيحيّة ومقدّساتها. فإنّنا نشجب هذا العمل المنافي لقدسيّة الحرّية وللقيم الروحيّة والإنسانيّة والأخلاقيّة. وندعو أبناءنا المؤمنين لصلاة التكفير عن هذه الإهانة لسرّ القربان ولقلبَي يسوع ومريم.
7.ولقد أسفنا للغاية لقرار نقل مؤسّسة اليونسكو كمكتب إقليمي للبلدان العربيّة من بيروت إلى عمّان. هذا المكتب الإقليمي موجود في بيروت منذ سنة 1961 بموجب القرار 1233 لجمعيّة اليونسكو العموميّة. وعلمنا أنّ قرار النقل معلّق حاليًّا، فإنّا نرجو القيّمين الرجوع عنه لخير وجود هذا المكتب الإقليمي في لبنان، بالنظر إلى كمّية المدارس والجامعات وقدرة لبنان العلميّة والتربويّة، ونظامه الديمقراطي، وتعدّديته الثقافيّة والدينيّة، وتوقيع لبنان لشرعة حقوق الإنسان، وإدخالها في دستوره.
8.فلنُصَلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، من أجل توبة المسؤولين السياسيين عن تعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة من غير سبب موجب، ولغاية سيّئة في نفوسهم. ونصلّي لكي نعود جميعًا إلى صوت ضميرنا، صوت الله في أعماق نفوسنا، راجين القيام بتوبة خلاصيّة مثل زكّا العشّار، فننال نعمة الخلاص الأبدي. للإله الثالوث الآب والابن والروح القدس كلّ مجد وشكر وحمد، الآن وإلى الأبد، آمين.
وكانت موجة من الإدانات الشديدة والاستياء العارم قد عمّت العالم بسبب المشهديّة الساخرة من «العشاء الأخير» والمسيحيّة.