شربل غانم
كثيرون في حياتي يتعجّبون من مدى حبّي للصليب، فأصمت ولا أعلّق على تساؤلاتهم، لكن قلبي ينبض قائلًا: «إنه حبّي!»… أقف باتضاع في صمتٍ عميق، ضامًّا إيّاه إلى قلبي مُناجيًا: «كم تألمتَ يا حبيبي يسوع لأنك أحببتني». في هذه الحياة، لا أجد راحتي إلا عند أقدام الصليب، هناك حيث أتأمل بعيدًا عن الحياة: «أتأملك مُسَمَّرًا، مُعَلَّقًا، مُثْخَنًا بالجراح على الصليب الذي تبارك بنزف دمك وأمسى صليب الخلاص».
في جلجثة الحياة، أمسيتُ كالقيرواني، حملتُ معك ربّي صلبان إخوتي الصغار، هؤلاء الذي أوصيت بهم. هؤلاء الذين في نظر العالم علّة وعار. لقد رآك القيرواني وسمع صدى صمتك يرحم الجموع ويواسي نواح النسوة. رآك تقع ثلاث مرّات، رازحًا تحت الصليب، وتنهض من جديد لتكمل المسيرة، عازمًا على تتميم سرّ الفداء. قطعتَ مسيرة العار لتُكلّلها بالحبّ الأعظم الذي تجلَّى على الصليب.
تحت الصليب حيث مريم ويوحنا، وقفةُ رجاء وشهادة للولادة الجديدة؛ تذكّرتُ حينما قدّستَ الخمر والخبز، وباركتَ، وناولتَ جميع تلاميذك… كم تقتُ لكي أستريح على صدرك كيوحنا، وأسمع نبضات قلبك، وأشعر بحبّك في ذلك العشاء الأخير تجاه من خانك وذاك الذي بقبلة سلَّمك، كلّ هذا… لأنك أحببتنا. وذلك الحبيب، عاين السرّ العميق تحت الصليب، بالمحبّة طبعتَ مسيرته في حياتك الخلاصيّة، هو الذي شهد على كلامك: «تمّ كلّ شيء» (يو 19: 30)، وأسلمت الروح، وكانت ولادة الكنيسة، وقلبها ينبض بدمك الثمين ورايتها صليبك يا فادينا.
«إن البِشارةُ بالصليب حماقة عند الذين يسلكون طريق الهلاك. وأما عندنا نحن الذين يسلكون طريق الخلاص، فهو قدرة الله (1 كو 1: 18). منذ ريعان الشباب، رغبت بأن يُرفق اسمي باسم يسوع المصلوب. لا تُفارق ذاكرتي الأعوام الأولى التي تعرّفت فيها على أصدقائي القديسين؛ منهم مَنْ يصرّون على حملك بين الورود لتُطيِّب جروحك عطرها، وآخرون يرفعونك مع سعف النخل بين أيديهم منتصرين، والبعض الآخر يشاركونك الأوجاع على فراش الألم، يا صليب الربّ.
إن صليب حياتنا يشير إلى هويّتنا ودعوتنا الخاصّة الفريدة في مشروع الربّ الخلاصي، إن وحّدناه بالصليب، وإن سرنا معه جلجثة الحياة التي ليست سوى درب شقاء وثقة بالربّ في سبيل الحبّ الإلهي الذي سار طوعًا إلى الموت ليُحْيينا.