آمال شعيا
يحملنا التأمّل في سرّ التوبة أي الاعتراف إلى التساؤل: من يملك سلطان مغفرة الخطايا؟ ماذا يعني سرّ التوبة وفق تعاليم الكنيسة الكاثوليكيّة؟ ما السبل المُتاحة أمام الإنسان لكي يسلكها في طريق توبته عن خطاياه، فيجد سلام الروح والقلب؟
لقد نادى أنبياء العهد القديم من أجل بلوغ حالة التوبة، فقال حزقيال النبي: «توبوا وارجعوا عن كلّ معاصيكم التي عصيتم بها واصنعوا لكم قلبًا جديدًا وروحًا جديدًا، فلـماذا تموتون يا بني إسرائيل؟» (حزقيال 18: 31). من ثمّ، دعا يوحنا المعمدان في العهد الجديد الناس إلى التوبة: «فجاء إلى ناحية الأردن كلّها، ينادي بمعموديّة توبة لغفران الخطايا، كما هو مكتوب في سفر أقوال النبي أشعيا: صوتٌ صارخٌ في البرّيّة: أعِدُّوا طريق الربّ واجعلوا سبله قويمة» (لوقا 3: 3-4). وأتى بعدها يسوع المسيح، وهو يحمل لنا رسالة حبّ وتوبة ومسامحة، بلغت ذروتها في صلبه وموته وقيامته من أجل معاصينا. هو من جاء من أجل الخطأة: «لـم آتِ لأدعو الأبرار بل الخطـأة إلـى التوبـة» (لوقا 5: 32). وعبّر المسيح عن فرحه العظيم بعودة الابن الضال إلى بيت أبيه: «أقول لكم إنّه يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين لا يحتاجون إلى التوبة» (لوقا 15: 7).
ترجم المسيح فرحه بعودة التائب، لمّا غفر ذنوب زكّا العشّار، وقَبِلَ توبة المرأة الزانية، واستقبل اللصّ اليمين بجواره في الفردوس. وأخيرًا، برز في موته الخلاصي، هو من منح النعمة لكلّ النفوس التي تسأله الصفح من كلّ أعماقها، فقال: «هكذا ليست مشيئة أبي الذي في السماوات أن يهلك أحد من هؤلاء الصغار» (متى 18: 14). لا شكّ في أنّ يسوع المسيح يريد أن يعلّمنا أن لا نخشى ذنوبنا مهما كانت ثقيلة، بل يجب أن ننحني أمام رحمته اللامتناهية ونسأله المغفرة عنها، لهذا وضع سرّ الاعتراف أي المصالحة مع الله، ومنح الكنيسة السلطان من أجل دعم كلّ من يرغب بالعودة إلى أحضان الآب السماوي.
ويتجلّى عمل الكنيسة في هذا الجانب في مساعدة كلّ نفس خاطئة من التقرّب من سرّ التوبة من أجل شفائها واستعادة نعمة الربّ التي خسرتها بسبب الخطيئة. كما تعلّم الكنيسة التائب التقدّم من سرّ التوبة بكلّ ندامة لما تسبّب به من إساءة إلى الله وليس خوفًا من العقاب الأبدي.
وهكذا يساعدنا الاعتراف بخطايانا على محاربة كلّ ميل ساكن فينا إلى الرذيلة، ويجعلنا مؤهّلين لنيل الشفاء الروحي والتقدّم في مسيرتنا نحو الله.