إلسي كفوري خميس
حوّل المستحيل إلى ممكن، وأثبت أنّ لا سقف للطموح طالما عانق التصميم والإرادة.
«إذا كان هدفك القمّة، فالباقي تفاصيل» شعارٌ يرفعه دومًا قبل أيّ مغامرة، محققًا من خلاله إنجازات كُتِبَت بأحرف من ذهب في سجلّ لبنان. لا قاهر له، لا جبل ولا محيط ولا صحراء، فبات الرجل الأوّل في العالم الذي يجمع كل تلك الانتصارات.
شغفه نقله من عالم الاقتصاد والأعمال إلى عالم الرياضة والمغامرات. لمع اسمه عالميًّا بعدما غرس العلم اللبناني، شامخًا كالأرز، على أعلى القمم في العالم، متمّمًا بذلك مشروع تسلّقه القمم السبع، وصولًا إلى القطبين الشمالي والجنوبي.
لا حدود لمغامراته التي أوصلته إلى عبور المحيط الهندي تجديفًا، وقطع صحراء الربع الخالي على الدرّاجة، مسجلًّا أرقامًا قياسيّة.
وتقديرًا لنجاحاته، نال وسام الأرز الوطني من رتبة فارس في العام 2003، ووسام الأرز الوطني من رتبة ضابط في العام 2006، وعددًا من الدروع والأوسمة، فضلًا عن أهمّ الجوائز الرياضيّة الدوليّة.
إنّه المغامر اللبناني العالمي، لا بل رائد المغامرات، مكسيم شعيا الذي ينقل لـ«قلم غار» تجربته الملهمة، المكلّلة بالإيمان بالله والانتصارات والعثرات.

في كنف الطبيعة
قد لا يكون شعيا من الأشخاص الملتزمين بممارسة الشعائر الدينيّة والذهاب إلى الكنيسة لكنّه، كما يقول، قريب من الله ويصلّي على طريقته.
يخبر شعيا عن كيفيّة تجلّي الربّ في حياته، قائلًا: «أنا إنسان مؤمن، وأهوى الطبيعة والمغامرات فيها. عندما أواجه صعوبة ما أو يحصل معي اختبار رائع يفوق تصوّري، أردّد عبارة «يا إلهي». في تلك اللحظات، أشعر بحضور الربّ. ألمس وجوده أكثر في الطبيعة وفي الأماكن المفتوحة بعيدًا من أصدقائي البشر».

أحلام شاهقة… «انتصار ومأساة»
يستعيد شعيا يوم 15 أيّار 2006، ذاك النهار الذي تسلّق فيه قمّة جبل إفرست وشكّل نقلة نوعيّة في حياته بتفاصيله وأحداثه. يخبر شعيا ما حصل معه، في أثناء عودته من القمّة: «صادفتُ متسلّقًا يفارق الحياة. حاولت إسعافه إلا أنّ إنقاذه مستحيل، كما كان الأمل في إنعاشه ضئيلًا، لا بل معدومًا. أدركت حينها أنّ هذا الشخص سيبقى على الجبل إلى أبد الآبدين. عندها، صلّيت من أجله، وجلّ ما طلبته من الله ألا يكون لديه أولاد لأنّني كنت أفكّر دائمًا بأبنائي».
هذا الحدث الحزين أثّر في قلب شعيا كثيرًا، بحسب قوله. وفي كتابه «أحلام شاهقة: رحلتي إلى أعلى قمّة في العالم»، روى شعيا تفاصيل ذاك النهار تحت عنوان: «انتصار ومأساة».
عن تلك اللحظات وما اختبر من مشاعر، يضيف: «لم أكن خائفًا على نفسي، لكن هاجس تنشئة أولادي من دون أب لطالما رافقني، وكنت على يقين أن لا جبل يمكن أن يوازي الحياة. كنت مستعدًّا لأن أعود أدراجي لو وصلت إلى نفق مسدود لأنّ الجبل سيبقى موجودًا دائمًا ويمكن أن أتعلّم من فشلي وأعود مرّة أخرى وأتسلّقه». يستطرد متابعًا: «أنا فشلت في تسلّق جبل جاشربرم في باكستان عام 2004، وهو أحد الجبال الـ14 التي يزيد ارتفاعها عن 8000 متر. والدروس التي تعلّمتها من هذا الفشل ساهمت بقوّة في نجاحي لدى تسلّقي قمّة إفرست بعد عامين».

الخالق والآلة الخارقة
مغامراته في الطبيعة والتجارب التي خاضها قرّبته أكثر من الله. في هذا السياق، يقول شعيا: «مثل أيّ شخص مؤمن، أسعى إلى التقرّب من ربّي وطلب مساعدته لأحقق ما أصبو إليه».
أمّا ما تعلّمه من خلال تجاربه على القمم السبع أو القطبين الشمالي والجنوبي أو المحيط الهندي أو صحراء الربع الخالي، فهو أنّ «الإنسان آلة خارقة جسديًّا وعقليًّا، ولا يمكن إلا أن يكون هناك خالق صَمَّمَ أو صنع تلك الآلة».
ويردف: «الإنسان قادر على أن يحقّق كل ما يرغب به أو يتمنّاه شرط أن يقدّم بعض التضحيات. كل شخص منّا يملك قدرة كبيرة أكثر ممّا يتصوّر والمهمّ الإرادة في مواجهة التحدّيات، وهذا ما أنمّيه دومًا في شبابنا من خلال محاضراتي في المدارس والجامعات، خصوصًا في ظلّ ما نعيشه من عدم استقرار في لبنان والمنطقة».

الاستعداد الروحي قبل المغامرة
يتحضّر شعيا، قبل أيّ مغامرة، جسديًّا ونفسيًّا وأيضًا روحيًّا. يقول: «يجب على الإنسان أن يؤمن بنفسه أوّلًا، وبربّه ثانيًا، لكي يستلهم منه ويطلب مساعدته على تحقيق أمر ما أكبر منه». ويضيف: «أصلّي وأطلب من الله أن أتمكّن من اتخاذ القرار المناسب في اللحظة الملائمة. كما أطلب منه أن يبعدني عن الشرّ في حياتي، وعن الانجرار وراء مغريات لا معنى لها، والبقاء على نهجي الثابت، والأمانة لمبادئي. وبعد إتمام مهمّتي بنجاح، أشكر ربّي طبعًا وأفكّر بعائلتي وأولادي وأنتظر اللحظة لكي أجتمع بهم مجدّدًا، وكما يقول المثل: «الجنّة من دون ناس لا تُداس».
أمّا من أين يستمدّ تلك القوّة لكي يغامر بحياته، فيعتبر شعيا أنّ المسألة تتعلّق بالذهنيّة القويّة أكثر ممّا لها علاقة بالجرأة والقلب الشجاع. يقول: «مهما كان الإنسان قويًّا جسديًّا، لا يمكنه أن يتخطّى الصعاب إذا لم يكن يملك قوّة المعرفة والفكر والحكمة، وإذا لم يؤمن بنفسه وبربّه أيضًا».

العناية الإلهيّة تتدخّل
يخبر شعيا عن التحدّي الأكثر صعوبة الذي واجهه في حياته، وكان للربّ تدخُّلٌ مباشر فيه. يقول: «الجميع يعتقدون أن تسلّقي قمّة إفرست كان الأصعب، لكن الحقيقة ليست كذلك. فبلوغ القطب الشمالي عام 2009 أخطر وأصعب من هذه المغامرة، وعبور المحيط الهندي عام 2013 هو الأخطر والأصعب». ويضيف: «ليتخيّل القارئ أنّه يعبر مسافة محيط بين أستراليا وأفريقيا على قارب لا تتعدّى مساحته 8 أمتار ونصف المتر، على متنه 3 أشخاص، من دون شراع أو محرّك، إنّما عبر التجديف، والأمواج تتقاذف القارب يمينًا وشمالًا، عدا عن الرياح والتيّار. الأمر يشبه قشة في مغطس مياه تتلاطمها الأمواج. حينذاك، لا يمكن إلا أن يناجي المرء الله. في تلك المغامرة، تحضّرنا 3 مرات لطلب النجدة من سفينة قريبة وكنّا على وشك إنهاء المهمّة، لكنّنا لم نفعل ذلك بفضل العناية الإلهيّة. يستحيل في ظروف مماثلة أن نبقى أحياء من دون تدخّلٍ ربّاني».

مغامرة جديدة وشكر متواصل
شغف شعيا وحبّه للمغامرات لا ينضب على الرغم من تقدّمه في السن. ويخبر موقعنا عن مشروعه الجديد وهو عبور بحيرة جليديّة اسمها بايكل في سيبيريا على الدرّاجة الهوائيّة في فصل الشتاء المقبل.
ويختم شعيا شهادته الملهمة عبر «قلم غار» بشكر الربّ على كل شيء في حياته، وعلى كل نعمة، وعلى كل لحظة يتنفس فيها، أكانت حلوة أم مرّة، لأنّه يؤمن بأنّ كل المشكلات لها حلول. ويحمد الله لأنّه استطاع أن يحقق الكثير من طموحاته.