الأب عبّود جبرايل
وُلِدَ يوحنا في قرية سروم الواقعة في جبل السويديّة على مقربة من أنطاكيا، وترعرع في أحضان أسرة مسيحيّة شريفة.
تعلّم في أنطاكيا أوّلًا ثمّ في دير القديس مارون، فنبغ في العلوم اللغويّة والرياضيّة والدينيّة. بعدئذٍ، انتقل إلى القسطنطينيّة حيث أتقن تعلُّم اللغة اليونانيّة والفلسفة، وانكبّ على مطالعة كتب الآباء وتفسيراتهم.
عاد إلى أنطاكيا بعد وفاة والدَيْه، وكان لشقيقته ابنان: إبراهيم وقورش. ذهب بصحبة قورش إلى دير مار مارون على ضفّة العاصي، فزهدا في العالم، ولبسا إسكيم الرهبان. نذر يوحنا نفسه لله، ورُقِّيَ إلى درجة الكهنوت، وسُمِّيَ يوحنا مارون.
تفانى يوحنا في حبّ خلاص النفوس وإرشاد الناس إلى الإيمان القويم، وناضل ضدّ البدع. هدى الكثيرين إلى الإيمان القويم، وكان كثيرون يأتون إليه ويعملون بإرشاداته. لذلك، رأى أمير أنطاكيا أوجان وجميع الإفرنج المقيمين هناك أن يقدّموا يوحنا الى الكاردينال سفير الكرسي الرسولي الروماني ليُرقّيهِ إلى درجة الأسقفيّة كي يَقِيَ أهل جبل لبنان من الضلال ويثبّتهم في إيمانهم ووحدتهم.
بعد ترقيته إلى أسقفيّة البترون، انتقل يوحنا مارون من بيت مارون الى أبرشيّته، وتفانى في خدمة شعبه، فاختار كهنةً ورؤساء كهنة وأمراء وقادةً لجيشهم، وكان منهم إبراهيم ابن أخته.
الثبات في الإيمان الكاثوليكي
لأسباب سياسيّة نجمت عن قيام الخلافة الإسلاميّة، بقي كرسي أنطاكيا شاغرًا، وقد استمرّت هذه الحالة حتى العام 702. في هذه الفترة المتبلبلة التي كانت فيها كنيسة أنطاكيا تتخبّط بالفوضى، اتّخذ أتباع مار مارون المبادرة ونصّبوا عليهم المطران يوحنا مارون بطريركًا وأعطوه كرسي أنطاكيا الشاغر.
أفضل وثيقة وأكثرها قدمًا في هذا الصدد تأتينا من دنيز تلّ محري، بطريرك أنطاكيا اليعقوبي (توفي في العام 845)، والذي يقول بعد سرد حادثة وقعت في دير مار مارون: «كان الموارنة وما زالوا يتّخذون لهم أساقفة وبطاركة من ديرهم على العاصي».
على الرغم من أنّ أسس البطريركيّة المارونيّة تبقى غامضة، فنصّ تلّ محري يعطي إسنادًا قويًّا للتقليد الذي يعيد تأسيس البطريركيّة إلى السنوات الأخيرة من الجيل السابع. والبطريرك إسطفان الدويهي نفسه هو الذي حفظ لنا هذا التقليد إذ إنّه ذكر سلسلة بطاركة الموارنة منذ يوحنا مارون حتى عهده (1670-1704).
وراح يوحنا مارون يجاهد في بنيان الكنائس، وتبشير الشعب، واختيار كهنة وأساقفة، وتنظيم الرتب البيعيّة، فاستطاع أن ينظّم كنيسته، وأصبح للكنيسة المارونيّة وجودٌ قانونيٌّ.
كما اهتمّ بالمرضى أيضًا، خاصّةً الفقراء منهم. فلمّا انتشر وباء الطاعون في البلاد، أسرع بنفسه لزيارة المرضى، وكان يشفيهم بصلاته.
أنشأ كنائسَ وأديارًا كثيرة، موصيًا المؤمنين بالثبات في إيمانهم الكاثوليكي. توفي في العام 707، ودُفِنَ في دير مار مارون-كفرحي.
تحتفل الكنيسة المارونيّة بعيد مار يوحنا مارون في 2 آذار من كل عام.
له مؤلّفات عدّة يرجعها بعض المؤرّخين الموارنة إليه، مثل الحاقلاني والسمعاني، نذكر منها: نافور أي رتبة القدّاس، كتاب إيضاح الإيمان، إضافةً إلى كتابَيْه في ردّ مزاعم النساطرة واليعاقبة.