أسرة تحرير «قلم غار»
اختتم البابا فرنسيس اليوم رحلته الرسوليّة الـ46 إلى بلجيكا ولوكسمبورغ، عائدًا إلى روما، بعد زيارةٍ امتدّت من 26 حتى 29 أيلول 2024.
ما أبرز لقاءات الحبر الأعظم ومحطاته في بلجيكا؟
انفتاح وشركة وشهادة
أنهى البابا فرنسيس اليوم زيارته بلجيكا بترؤسه قداسًا إلهيًّا صباحًا في ملعب الملك بودوان في بروكسل، متأمّلًا مع المؤمنين في الانفتاح والشركة والشهادة.
واعتبر في عظته أنّ «جماعة المؤمنين ليست نخبة من المميّزين، بل هي عائلة من المُخَلَّصِين، ونحن مدعوّون إلى أن نحمل الإنجيل للعالم ليس بفضل استحقاقاتنا، بل بقوّة نعمة الله ورحمته وثقته التي يضعها فينا بمحبّة أبويّة».
وحضرت في عظة الأب الأقدس جراح ضحايا الاعتداءات الجنسيّة، فقال: «في الكنيسة، هناك مكان للجميع، وجميعنا سنُدان، ولا يوجد مكان للإساءة ضد القاصرين، ولا للتستر عليها. أطلب من الجميع: لا تتستروا على الإساءة ضد القاصرين!».
وشدّد على إظهار الشر إلى العلن، وعدم التستر على الإساءات ليُحاكَم جميع المعتدين.
وتابع: «إذا أردنا أن نزرع للمستقبل، فحسنٌ لنا أن نضع من جديد إنجيل الرحمة أساسًا لخياراتنا».
وأكد البابا أهمّية المحبّة، موضحًا: «من دون المحبّة لا شيء يدوم، بل كل شيء يختفي، ويتفكّك، ويتركنا أسرى لحياة عابرة، وفارغة، ولا معنى لها، في عالم ضعيف فَقَدَ مصداقيته على الرغم من كل الواجهات لأنّه كان حجر عثرة للصغار».
كما تناول فضائل الراهبة الكرمليّة آنا ليسوع في يوم تطويبها، مشيرًا إلى أنّها سارت على خطى عملاقة الروح القديسة تريزا الأفيليّة.
وختم الحبر الأعظم عظته بالدعوة إلى قبول نموذج «القداسة النسائيّة» الذي تركته الطوباويّة الجديدة لنا، وهو نموذج لطيف وقويّ في الوقت عينه.
بشارة وفرح ورحمة
في 28 أيلول الحالي، التقى البابا فرنسيس الأساقفة والكهنة والشمامسة والمكرّسين والمكرّسات والإكليريكيين والعاملين الرعويين في كاتدرائيّة القلب المقدّس في كوكلبرغ، متأمّلًا معهم في البشارة والفرح والرحمة.
واعتبر الأب الأقدس في كلمته أنّ «التغيّرات في عصرنا وأزمة الإيمان التي نعيشها في الغرب دفعتنا للرجوع إلى الأساس أي الإنجيل حتى تُعْلَن البشرى التي حملها يسوع إلى العالم للجميع من جديد، ويظهر لهم إشعاع جمالها».
وأشار إلى أنّنا «انتقلنا من مسيحيّة مُنظَّمَة في مجتمع مضياف إلى مسيحيّة “الأقلّية” أو بالأحرى مسيحيّة الشهادة»، موضحًا أنّ ذلك يتطلّب «شجاعة التوبة الكنسيّة لإطلاق التحوّلات الرعويّة التي تشمل العادات والنماذج وطرق التعبير عن الإيمان ليكون حقًّا في خدمة إعلان البشارة».
وختم الحبر الأعظم كلمته، داعيًا الحاضرين إلى السير معًا بنعمة الروح القدس وتجسيد الرحمة ليكونوا «كنيسة».
الشهادة للحقيقة
في اليوم عينه، التقى البابا فرنسيس عصرًا طلاب جامعة لوفان الكاثوليكيّة، مشدّدًا على أهمّية الحقيقة.
وتناول في كلمته الشر وقدرته على تدمير البيئة والشعوب، لافتًا إلى أنّ الحرب هي تعبير الشر الأكثر وحشيّة، فضلًا عن الفساد وأشكال العبوديّة الحديثة.
وقال: «نحن المسيحيّون نعلم أنّ الشر ليس له الكلمة الأخيرة، وأنّ أيّامه معدودة. وهذا الأمر لا يخفّف من التزامنا، بل يزيده: الرجاء هو مسؤوليّتنا».
واعتبر أنّ العلاقة بين المسيحيّة والإيكولوجيا (أي مشروع إيماننا في ما يتعلّق بالبيت المشترك للبشريّة جمعاء) تتجلّى في الامتنان والرسالة والأمانة.
وتطرّق إلى دور المرأة في الكنيسة، شارحًا: «الكنيسة هي شعب الله، وليست شركة متعدّدة الجنسيّات. وفي شعب الله، المرأة هي الابنة والأخت والأمّ. كما أنّني ابن وأخ وأب. هذه هي العلاقات التي تعبّر عن كوننا على صورة الله، رجلًا وامرأة معًا، وليس منفصلين! إنّ النساء والرجال هم أشخاص وليسوا أفرادًا؛ وهم مدعوّون منذ “البدء” لكي يُحِبّوا ويُحَبّوا. ومن هنا، يأتي دورهم في المجتمع والكنيسة».
كما تحدّث عن كيفيّة الدراسة وأسبابها وأهدافها، حاضًّا الحضور على التأمّل العميق في هذا المحور.
وختم الحبر الأعظم كلمته، داعيًا الطلاب إلى البحث عن الحقيقة والشهادة لها وعيش الصدق من خلال أبسط الخيارات اليوميّة لتصبح جامعتهم كاثوليكيّة.
البابا يفاجئ الشبيبة البلجيكيّة
البابا فرنسيس فاجأ حوالى 6000 شابة وشاب بلجيكيين في حدثٍ بعنوان «أمل يتحقق» في معرض بروكسل بالعاصمة البلجيكيّة، حيث دعاهم إلى الصلاة الدائمة واستعادة براءة الطفولة والفرح الذي يريده الله للجميع.
يُعَدّ هذا اللقاء حدثًا مستوحى من روحانيّة الأيّام العالميّة للشبيبة، ويتضمّن حجًّا وورش عمل إيمانيّة إبداعيّة، فضلًا عن مهرجان موسيقي ومبيت في جوار ملعب الملك بودوان.
جسرٌ لبناء السلام
في 27 أيلول الحالي، استهل البابا فرنسيس زيارته بلجيكا بلقاء العاهل البلجيكي الملك فيليب وممثّلين عن السلطات السياسيّة والسلك الدبلوماسي والمجتمع المدني في قصر لايكن في بروكسل.
وشدّد الأب الأقدس في كلمته على أنّ البلاد هي بمثابة جسر يفسح المجال أمام توسّع الانسجام واحتواء النزاعات، مشيرًا إلى أنّها مكان نتعلّم فيه أن نجعل من هويّتنا الخاصة مكانًا مضيافًا للانطلاق منه والعودة إليه وجسر يعزّز التجارة ويوفّر التواصل والحوار بين الحضارات، وجسر لا غنى عنه لبناء السلام وإبعاد الحرب.
وأكد البابا أنّ أوروبا تحتاج إلى بلجيكا كي تستمر في مسيرة السلام والأخوّة بين الشعوب التي تكوّنها. ولفت إلى أنّ «الانسجام والسلام ليسا انتصارًا يُحَقَّقُ مرّة واحدة وإلى الأبد، بل هما مهمّة ورسالة مستمرّة يجب أن ننمّيهما ونعتني بهما بعزم وصبر».
وقال: «الكنيسة الكاثوليكيّة تريد أن تكون حاضرة وشاهدة بإيمانها بالمسيح القائم من بين الأموات، وتُقدِّم للناس والعائلات والمجتمعات والأمم أملًا قديمًا وجديدًا دائمًا. كنيسة حاضرة تساعد الجميع على مواجهة التحدّيات والمحن من دون حماس سهل أو تشاؤم مظلم، بل مع اليقين بأنّ الإنسان الذي أحبّه الله له دعوة أبديّة للسلام والخير وليس مصيره الزوال واللاشيء».
وأشار إلى أنّ فكره يتجه نحو الأحداث المأساوية المتعلّقة بالتعدّيات على القاصرين، موضحًا أنّها آفة تواجهها الكنيسة بحزم وثبات من خلال الاستماع إلى الأشخاص المجروحين ومرافقتهم، وتنفيذ برامج وقائيّة في العالم كلّه.
وختم الحبر الأعظم كلمته، متوقفًا عند شعار زيارته الرسوليّة، وهو «على الطريق، مع الرجاء»، وموضحًا أنّ الرجاء هو عطيّة من الله، ويُحْمَل في القلب.
خميرة وملح ونور إنجيل المسيح
في اليوم عينه، التقى البابا فرنسيس الأساتذة في جامعة لوفان الكاثوليكيّة عصرًا، داعيًا إيّاهم في كلمته للبحث عن الحقيقة وإبقاء الشغف مشتعلًا لكي لا يستسلموا إلى كسل الفكر.
وقال: «إنّ الجامعات الكاثوليكيّة، مثل هذه الجامعة، مدعوّة بشكل خاص لتُقدّم مساهمة حاسمة، فتكون خميرة وملحًا ونور إنجيل يسوع المسيح وتقليد الكنيسة الحيّ، المنفتحة دائمًا على آفاق واقتراحات جديدة»، حاضًّا الأساتذة على توسيع حدود المعرفة أي جعل التنشئة الأكاديميّة والثقافيّة فسحة تشمل الحياة وتخاطبها.
وتحدّث عن الحاجة إلى ثقافة تُوَسِّع الحدود، ولا تكون «طائفيّة»، ولا تعلو على الآخرين، بل تكون في عجينة العالم وتحمل إليه خميرة جيّدة تساهم في خير الإنسانيّة.
وخلص الحبر الأعظم إلى دعوة الأساتذة ليكونوا روّادًا في توليد ثقافة الشموليّة والرأفة والانتباه إلى الأشد ضعفًا إزاء التحدّيات الكبيرة في العالم.
البابا يصغي إلى ضحايا الاعتداءات
إلى ذلك، التقى البابا فرنسيس مساء يوم 27 أيلول الحالي في مقر السفارة البابويّة في بروكسيل، على مدى ساعتين، سبعة عشر شخصًا من ضحايا الاعتداءات الجنسيّة على القاصرين من رجال دين كاثوليك.
تمكّن الحاضرون من إحاطة البابا علمًا بقصصهم، وعبّروا له عن ألمهم، وتطلّعاتهم تجاه الالتزام الذي تقوم به الكنيسة للتصدّي لهذه الانتهاكات.
من جهته، أصغى الأب الأقدس إلى شهادات الضحايا، معربًا عن قربه منهم وامتنانه للشجاعة التي يتسلّحون بها. ولم يُخفِ مشاعر الخجل حيال ما تعرّضوا له عندما كانوا في سنّ مبكرة، نتيجة ممارسات قام بها كهنة كان من المفترض أن يعتنوا بهم، وأكد لهم أنّه سينظر في مطالبهم ومقترحاتهم.