غيتا مارون
مارك كجوني، ملتزم في المجلس الوطني في لبنان لشبيبة مار فرنسيس، ويتابع دروسًا في اللاهوت في معهد الرسل-جونيه، يخبر “قلم غار” عن مسيرة مليئة ببركات الربّ التي كشفت لقلبه صورته الأبويّة.
حمّلتُه مسؤوليّة وزر مشاكلي
“اختباري مع الربّ بدأ من اللحظة التي ولدت فيها، وعندما كبرتُ، بدأت أعي حضوره في كل الأوقات”، يخبر مارك.
“مررت بمرحلة عاتبتُ فيها الربّ وحمّلته مسؤوليّة وزر مشاكلي، لكنني لم أتركه وأرحل… كنت أبلغ من العمر 20 عامًا عندما عشت صراعًا هزّ كياني… كنت أتوجّه دائمًا إلى الكنيسة، وأبكي هناك، من دون أن أفهم ماذا يريد الله مني، وكم من مرّة لمْتُه واعتبرته مُسبّب أوجاعي… بكيت بسبب جروحاتي والخطايا التي ارتكبتها، وكنت أشعر بأنني صغير جدًّا في حضرته… عندما أدخل الكنيسة، لم أكن أنظر إليه، بل أهرب منه، فعندما يشعر الإنسان بأنه لا يستحقّ أن يوجّه نظره نحو الله، يعجز عن التصديق أنه محبوب من الربّ الذي مات من أجله على الصليب”.
هكذا اكتشفت وجه الربّ الرحوم
ويقول مارك: “بعد هذا الصراع، بدأت أتحدّث إلى الله أكثر، وأعتبره صديقًا وبتّ أصلّي طالبًا منه أن يجعلني أفهم إرادته وأرتاح من الصراع الذي يثقل نفسي… فوضع الربّ في طريقي مرشدين روحيّين وأصدقاء نقلوا صوته إليّ، وكانوا إلى جانبي، وقدّموا لي الدعم الذي أحتاجه، واستطعت أن أنمّي هذه المسيرة الروحيّة، وبدأت أفهم إرادته، وأعي أن الربّ ليس مسؤولًا عن الأمور التي أوجّه إليه اللوم عليها، وبدأت أرى وجه الربّ الرحوم، وأتعرّف إليه أكثر، وأدرك أنه ليس سبب الجروحات بل هو من سأشارك جراحي معه كي يصبح لها معنى”.
في تلك اللحظة الربّ شفى نفسي!
ويضيف مارك: “عندما بلغت الـ24 من عمري، بدأت مسيرتي الفعليّة مع الربّ، وبدل أن أتكلّم عنه، تعلّمتُ أن أتكلّم معه، وشاركتُ في ساعات السجود، وحضّرتُ لها، وزاد تعلّقي به، وبدأت أقبل نفسي ابنًا له… كنت مشرّدًا، لكنني اختبرت بنوّتي للآب.
كان العام 2019 سيّئًا جدًّا بالنسبة إليّ ومليئًا بالأحزان، ولا سيّما أنني خسرت والدي بعد صراع مرير مع السرطان… إلا أن الربّ في لحظة شفى نفسي من جروحات الماضي… شاركت في تجمّع للصلاة، وكان اعترافي نقطة التحوّل في حياتي… في خلال الاعتراف، قلتُ للكاهن إنني لا أشعر بوجود الله إلى جانبي، وأخبرته عن مشاكلي، فقال لي: الربّ إلى جانبك وإن لم تكن تشعر بحضوره، والدليل على كلامي أنك ما زلت صامدًا ولديك القدرة على متابعة مسيرتك في الحياة…
نعم، لقد ذكّرني الربّ من خلال الكاهن بأنه إلى جانبي وإن لم أشعر به، ويمدّني بالقوّة كي أستمر… بعد الاعتراف، أجهشت بالبكاء، إنها دموع الفرح…
وبدأ التغيير الفعليّ عندما أراني الربّ صورته كأب، إذ جعلني أعرف مدى محبّته لي وكم أنا جميل في نظره، وأنه توّجني ملكًا على الرغم من قباحتي.
وبعدما آلمتني جروحات طُبعت في قلبي، طلبت من الربّ القدرة على مسامحة من سبّب لي الأذى والنزف المتواصل على مدى سنوات… والحمد لله الذي جعلني أتحلّى بالجرأة، وأقول له: أسامحك، وأحبّك! لقد أعطاني الربّ القوّة لأسامح، وتحرّرت من ألمي بنعمته”.
“لم يعرفني أحد مثلما عرفتني!”
ويتابع مارك: “أمور كثيرة قد تبعدني عن يسوع: ضجيج الحياة، والكسل الروحي، والإصرار على معرفة إجابة معيّنة وعدم الحصول عليها، والشك، والضعف البشري الذي يغرقني في الخطايا والمحدوديّة، والكبرياء عندما أصدّق أن الخطيئة أكبر من حبّ الربّ…
إن الربّ يعطي الإنسان القوّة، والرجاء، والأمل… أنا أؤمن بالحقيقة: الله أب يهتمّ بأولاده، ويسهر عليهم، ويحميهم من التجارب، ويشاركهم البكاء، والفرح.
وأختبر هذه الحقيقة وسط التجارب… الله هو أبي واختباري البنوّة يردّني دائمًا إليه لأنني لم أجد أيّ شخص عرفني مثله، كما تقول الترنيمة: “لم يعرفني أحد مثلما عرفتني” (ترنيمة “لا مثل لك يا إلهي”)…
أشكر الربّ لأنه غمرني بنعمه
ويرفع مارك الشكر إلى الربّ قائلًا: “أحمده على وجوده، ومحبّته الكبيرة، وهبة الحياة…
أشكره لأنه غمرني بنعمه لأبحث بشكل دائم عن حضوره في حياتي في كلّ لحظة، ولأنه أب يخاف على أولاده، وأمين دائمًا على الرغم من عدم أمانتي، ولأن محبّته وأمانته ثابتتان… أشكره لأنه يعطي معنى لكلّ ما أمرّ به، ويجعلني قادرًا على الصمود وإكمال مسيرتي على الرغم من التجارب والصعوبات التي تعصف بحياتي…
أشكره لأنه يثق بي، ويراني جميلًا، ويرسل إليّ الأشخاص الذين يقدّمون لي المساعدة في توقيته، ويتكلّم من خلالهم… أشكره على مواهبه والوزنات التي زرعها فيّ، وحضوره الدائم، وجسده ودمه؛ عندما أتناول جسده المقدّس، يذكّرني بأنه يحبّني… هذا الحبّ الذي جسّده بالأفعال وليس فقط بالأقوال!”