غيتا مارون
أمّ ملتزمة في الكنيسة، تحوّلت من العمل في الهندسة الإلكترونيّة إلى الاهتمام بعائلات تشاركها الاختبار عينه، بعد اكتشافها أن ابنها أنطوني مصاب بالتوحّد.
في العام 2015، أسّست جمعيّة الأهل لدعم التوحّد، وتركّزت أهدافها على التوعية الإعلاميّة ومساندة الأهالي في لبنان.
إنها غادة حايك مخّول التي تشارك «قلم غار» مسيرتها المفعمة بالبركات والتسليم لإرادة الله.
الربّ رفيقي في رحلة الأمل
تخبر غادة عن حضور الله في حياتها بقلبٍ يفيض ثقةً لامتناهية به، فتقول: «الربّ حاضر دومًا قربي. عانيت من صعوبات كثيرة، ولا سيّما مآسي الحرب وفقدان والدتي من جراء إصابتها بالمرض.
بعد إنجابي ولدي الثاني أنطوني، تبدّل مسار حياتي! في البداية، كان نموّه طبيعيًّا لغاية بلوغه السنة الأولى من عمره. في أحد الأيّام، سقط على الدرج، فلم يعد يتكلّم، وبات لا يتفاعل مع الآخرين، ولا يلعب مع الأطفال. حينئذٍ، شخّص الأطبّاء حالته بالتوحّد.
تركت عملي، وبدأنا رحلة الألف ميل. شكّل هذا الاختبار أكبر صدمة بالنسبة إليَّ! كم كانت مؤلمة تلك اللحظات التي علمت فيها أن ابني لن يكون مستقلًا أبدًا في حياته».

ابني يبدّل مسار حياتي
تتابع غادة سرد اختبارها، شارحةً: «ابني قوّى إيماننا ووطّد الأواصر العائليّة.
أنطوني بدّل حياتي إذ تركت العمل في الهندسة الإلكترونيّة وانطلقت في رسالة جديدة: بتّ أهتمّ بالعائلات التي تحتضن أولادًا مصابين بالتوحّد، وأسّسنا جمعيّة تُعنى بشؤونهم.
كان ابني مراهقًا حين انطلقت الجمعيّة، ولم تعد المدرسة تأخذ على عاتقها العناية بمن هم في سنّه.
بدأنا الاهتمام بأربعة تلاميذ، ووصل العدد اليوم إلى 25 تلميذًا، صغارًا وكبارًا. نقوم بنشاطات للأولاد كي يندمجوا في المجتمع، وأخرى للأهل أيضًا لأن هدف الجمعيّة يتمثّل في دعم الأبناء وذويهم. أحيانًا، يغطّي بعض المتبرّعين تكاليف النشاطات، بمساعدة الأهالي والمتطوّعين. كل يوم، يدهشنا الربّ بمفاجآت ولقاء أناس يساندون الجمعيّة، ويرسل إلينا داعمين بطريقة مفاجئة.
قد يضطر المصابون بالتوحّد إلى التصرّف بطريقة قد تُفَسَّر بالعدائيّة لأنهم لا يعلمون كيف يعبّرون عن شعورهم أو رغباتهم. لذلك، يجب أن ينتبه الأهل إلى ما يريده الأبناء، وأن يتحدّثوا إليهم بهدوء ويحتضنوهم.
في جمعيّة الأهل لدعم التوحّد، كلما أُغلق باب، نثق بأن الربّ سيفتح بابًا آخر. نؤمن بأنه إلى جانبنا ويمدّنا بالقوّة. الربّ حاضر من خلال ابني؛ هو نعمة حقًّا. أنطوني طفل هادئ وحنون وحساس جدًّا.
إن الأطفال المصابين بالتوحّد يشبهون الملائكة في البيت: لا يؤذون، لا يسرقون، لا يكذبون. يعرفون المحبّة والعطف والبراءة فحسب. نظراتهم بريئة، وقلوبهم طيّبة».

علامات حضور الله
تواصل غادة الحديث عن فلذة كبدها، قائلة: «ابني يحبّ الربّ، ويعبّر عن حبّه له بطرائق مختلفة، مثل حمل صورة يسوع في البيت والمدرسة…
حياتنا مليئة بالعلامات التي تجعلنا نشعر بأن الله إلى جانبنا، كأنه يقول لنا: أنا معكم من خلال أبنائي المصابين بالتوحّد، فتعلّموا المحبّة والعطف والصبر منهم».

نِعَمُ «أبونا أنطون»
في سياق آخر، تتطرّق غادة إلى تأسيسها مجموعة روحيّة فيسبوكيّة تحمل اسم «أبونا أنطون»، فتقول: «في 25 آذار 2008، زرتُ دير مار أليشاع في وادي القديسين، ورغبت بعدها بتأسيس مجموعة روحيّة عبر الفيسبوك تحمل اسم الأب الحبيس أنطونيوس طربيه. بركة الربّ حلّت فيها، وتخطى عدد متابعيها 41000. أنا ممتنّة لجميع الذين يهتمّون بهذه المجموعة الروحيّة العزيزة على قلبي.
عند زيارة الدير، طلبت من الأب أنطونيوس طربيه أن ينطق ابني بكلمة واحدة. استجاب الحبيس لتضرّعي، فناداني أنطوني باسمي!».
وتختم غادة مشاركة اختبارها عبر «قلم غار»، رافعةً الشكر إلى الله على جميع أفراد أسرتها، وعلى المحبّة المزروعة فيها ونعمة التقبّل التي تتحلّى بها. وتحمده على جمعيّة الأهل لدعم التوحّد، مسانِدة عائلات كثيرة في مسيرتها مع أبنائها المختلفين عن أترابهم.
