شربل غانم
إلهي، بينما كنتُ معكَ ما بين السماء والأرض، كشفتَ لي بما طاب لكَ أن تُتمِّمه من خلالي. أشكرك ربّي على هذه الخبرة لأنّكَ فيها حوّلتَ صحراء حياتي العقيمة إلى حديقة مزهرة ومثمرة.
كنتُ أسيرًا في سجن عالم الأموات، أتلقّى سياط الجلّادين إن سبّحتُكَ أو بشّرتُ بكلمتِكَ… ربِّي يسوع كُنتَ معي هناكَ تُضمِّدُ جراحاتي بدم حُبِّكَ الثمين وتُذكّرني بالجنود الذين جلدوك. لكَم ناجيتُكَ رافعًا صلاتي وكان صدى مرارتي شِفاءً لنَفسي، فباركتَ آهاتي.
لَكَم شَهدتُ بِفَخرٍ كما بولس «أنا بولس سجين المسيح يسوع في سبيلكم» (أف 3: 1). وكم تأملّتُ بيوحنا في منفاه، مثلما كنتُ أعيش منفايَ مُدوِّنًا مثله في كتاباتي: «أنا أخاكم يوحنّا الذي يشارككم في الشدّة والملكوت والثبات في يسوع، كنتُ في جزيرة بطمس لأجل كلمة الله وشهادة يسوع» (رؤ 9: 1). ذقتُ ألم الفراق عن إخوتي بالمسيح يسوع وعلمتُ بمدى حبّي العميق لهم. ألهمتني ربّي لأباشر رسالتي، فناجيتُكَ: «ليصمت فمي وليكتب بحبر الدم قلمي»، وبذلك بدأتَ ربّي عملك الخفيّ من خلال قلمي. شهوةً اشتهيتُ ربّي في سجني أن ألتقيكَ، سألتُ نفسي ما عسى تكون حياتي؟ ماذا تريد منّي يا ربّ؟ كيف عليّ أن أخدمك؟ فسمعتُك في صحراء قلبي تقول: «هأنذا صانعٌ أمرًا جديدًا… يقول الربّ أجعل في البرّية طريقًا، في القفر أنهارًا» (أش 43: 19).
ذات يوم، فتحتَ لي باب سجن الحياة وسرتُ معكَ من دون خوفٍ حتى وصلتُ إلى الجبل، فسادَ صمتٌ عميق وسمعتُكَ تكشِفُ لي عن غنى عالمي الداخلي وكيف رافقتني وأظهرت مجدك من خلال حياتي. بعدما التقيتُكَ ربّي في صحراء القلب، على الجبل كان لي العزاء، حيثُ التقيتُ نفسًا قديرة، حضنتني وبعُمقِ كلماتها أنارتني ولمستُ فيها جمالات الآب السماوي، وهناك أيضًا نفسٌ صامتة بالحُبّ مُضطرمة حينما مكثتُ معها رأيتُ في محيّاها جمال وجه المسيح. على الجبل مكثتُ مع العديد من النفوس، في هدوءٍ سِرتُ وسطهم حيثُ رأيتُ إخوتي في المسيح يسوع. كم تعزّيتُ ووددتُ لو كان باستطاعتي أن أُعانقهم وأتكلّم معهم لكنني اكتفيتُ بأن أملأ نظراتي من رؤيتهم. كم رغِبْتُ في البقاء هناك حيثُ تمّ اللقاء كما لو أنني أُعاين الملكوت، ولكن كان لا بُدَّ من أن تعود بي ربّي إلى واقع حياتي.
والآن، ها قد عُدْتَ إلى واقع الحياة، رُبَّما سأظل أسيركَ لأعوامٍ أو مدى الحياة، أقول مع بولس: «الحياة عندي هي المسيح، والموتُ ربحٌ لي» (في 1: 21). لقد أمسى سجني خدري حيثُ ألتقيكَ وأتّحدُ بك في عالمي العميق وأصمت لأُصغي إليكَ كما أمسيتُ أُخبر وأبشِّر بكلامكَ.
في منفاي أسير وحيدًا لملاقاة الله… الإقامة في الصحراء ضروريّة في مسيرة الإنسان. مع الصوم والصلاة والتجرّد، أجاهد لألقاك أنت الذي قلتَ: «ها إني سأستغويها وأقودها إلى البرّية وهناك أخاطبها» (هو 2: 14). سأعيش لمَجدِكَ ربِّي هذه الحياة وأتعالى عن الغذاء الأرضي بانتظار الغذاء السماوي. أما نفسي، فأمست حُرّة طليقة لا يستطيع أحد أن يتملَّكها أو يستعبدها بعد الآن بعدما سبَيْتها بلمسة يدَيْك. ها هي تعيش في محضرك تُنشد لكَ: «أنا لحبيبي وأشواقه إليَّ. هَلُمّي يا حبيبتي، لِنَخْرُج إِلى الحُقول، ولنَبِتْ في القُرى، فنُبكِّر إلى الكُروم، ونَنظُرَ هل أَفرَخَ الكَرم، وهَل تَفَتَّحتْ زُهورُه، وهَل نَوَّر الرُّمان، وهُناكَ أَبذُلُ لَكَ حُبِّي» (نش 7: 11-13).