طوني لطيف
هي دربٌ طويلة، شاقة، مليئة باختبارات لامتناهية، أسير فيها وسط ظلمة حالكة، صامتًا، مصغيًا إلى ذاتي، متّحدًا مع نفسي… هي المرّة الأولى التي أتّحد فيها جسديًّا وروحيًّا مع يسوع!
هي دربٌ مشاها سيّدي وربّي ومخلّصي من بستان الزيتون إلى الجلجلة، مَشاها وحيدًا، صامتًا، متألمًا، مقهورًا، حاملًا أثقالنا الكثيرة، راضخًا لمشيئة أبيه…
آه! كم هي ظالمة محكمة البشر، وكم هو حزين قلب الإنسان، قلبٌ اختار الموت قبل ولادة الخلاص.
منذ ولادته، يبدأ الإنسان مسيرة وجوده وينمو ويكبر ويشيخ ويموت، ويكون في أغلب الأحيان بعيدًا عمّا يسبّب له الألم، فيتجنّب الدروب المظلمة التي تقوده إلى المجهول إذا اختارها، فيهرب إلى حيث يشرق النور؛ هناك يكون سيّدًا حرًّا، متحرّرًا من الذات التي تبقى وحيدة قابعة في العتمة، منتظرةً الخلاص الذي سيبقى مُرتهنًا بتلك الطريق الطويلة التي سار فيها الشخص منذ صغره وحيدًا.
“أمَّا الذينَ يرجُونَ الربَّ، فتتجدَّدُ قِواهم على الدوام ويرتفِعونَ بأجنحةٍ كالنسورِ. ولا يتعبونَ إذا ركضوا ويسيرونَ ولا يكلُّون” (أش 40: 31).
هذه هي الطريق بكل بساطة… ألم يقل لنا الربّ: “أنا هو الطريق والحقّ والحياة” (يو 14: 6)؟
السير وحيدًا من دون يسوع هو طريق مظلم لا نور فيه، فالصوم هو ليس مرحلة انتقائيّة نختارها حسب حاجتنا الجسديّة، أو تأمّلًا روحيًّا نعيشه في زمن تختاره لنا الكنيسة، وليس فعلَ تحدٍّ وابتعادًا عن ملذّات نحبّها فننقطع عنها ولو لفترة أو مرحلة اضطراريّة، إذ إن العلاقة مع يسوع ليست بسطحيّة أو هي حاجة ألتمسها منه هربًا من ضجيج الخطيئة، فأستريح لفترة من الوقت، ثمّ أعود مجدّدًا إلى السير وحيدًا بعيدًا عن يسوع…
الصوم هو اختبار وليس تحدّيًا، هو انتصار وليس قهر الذات، هو اتحاد مع الله وليس العيش وحيدًا، هو الإصغاء إلى الذات وليس بصمتٍ، هو شراكة أبديّة مع الخالق وليس فترة زمنيّة، هو بكل بساطة مشروع أختاره للتعرّف إلى الهويّة التي أحملها، إلى ذاتي التي أجهلها ولا أستطيع العبور إليه من دونها. الروح تعيش ضعيفة، وحيدة، خائفة من دون يسوع، بعيدة عن الذات، وحده الله يجمعهما معًا بشراكة واتحاد أبديّ مع يسوع. عندئذٍ، نستطيع أن نعبر بسفينة الحياة إلى شاطئ الخلاص.