إلسي كفوري خميس
ثائر في الحياة، ومقاوم في السياسة. مثير للجدل بمواقفه اللاذعة.
هو فنّان متكامل. عرفته الدراما بأنّه «الجوكر» الذي يؤدّي أدوارًا مختلفة ومتنوّعة ببراعة. موهبته لا تقتصر على التمثيل، بل تشمل التصوير والرسم والكتابة والنحت.
ابتعد عن شغفه لمدّة 15 عامًا، عندما قرّر أن ينسلخ عن بلده ليؤمّن شيخوخته، ومستقبلًا لائقًا لأولاده. فهاجر في العام 2002، وهو في عزّ تألّقه إلى هيوستن في الولايات المتحدة الأميركيّة، بعد فقدان الأمل بتحسُّن الأوضاع في لبنان. وما لبث أن عاد زاهدًا بالدنيا. فالأضواء لم تعد تعنيه، وبدأ يميل أكثر نحو القراءة والفلسفة. على الرغم من ذلك، ما زال يتمتّع بحضور لافت في الأعمال الدراميّة.
إنّه الفنّان القدير أسعد رشدان الذي يتحدّث لـ«قلم غار» عن نظرته الإيمانيّة الخاصة، وعن مسيرة حياته الفائضة بالتضحية.
أبهى تجلّيات الربّ
عانى رشدان من الحرمان في طفولته بسبب الوضع الاجتماعي العائلي المعقّد. لكن المحبّة حصّنته من آثار الفقر السلبيّة. عاش في بيت فقير مُعْدَم، وتعلّم طريقة قصّ الشعر وهو في الثانية عشرة من عمره ليؤمّن مصروفه، وكان والده يمسح الأحذية يوم الأحد في ساحة عمشيت. لكنه لم يخجل من ذلك يومًا، مؤكدًا أنّه تعب في حياته كي يجنّب أولاده عيش الحياة ذاتها.
يخبر رشدان عن الصورة الأولى التي تُظهر تجلّي حضور الله في حياته، وهي صورة «العائلة، والزواج وإنجاب الأولاد، وحالة المحبّة والألفة التي تسود الجوّ البيتي».
ويضيف: «يتجلّى حضور الربّ أيضًا في حبّه لي وإيماني به، على الرغم من تفكيري الخاص بالطقوس الدينيّة والشكليّات الوثنيّة».
يشير إلى تمتّعه بنظرة مختلفة وخاصة للحياة والموت والقيامة والرجاء. يعزو السبب في ذلك إلى خسارة معظم أصدقائه في خلال السنتين الأخيرتين، وهم أصغر سنًّا منه، عدا عن موت الأطفال في الحروب، متسائلًا: «أين المنطق في ذلك؟». ويتابع: «أشعر بأنّ الحياة عبثيّة، وبأنّنا نصل إلى مرحلة لا يعود ينفع فيها العلم والثقافة والشهرة والفنّ والأدب».
ويستطرد لافتًا إلى تأثره بالروائي والفيلسوف الروسي دوستويفسكي، وبما قاله عن الحياة في روايته «المساكين»، ومفاده أن «لا شيء سيتغيّر عند موتي، ولا أحد سيتذكّرني، وستستمر الحياة كأنّني لم أكد موجودًا».
علاقة وثيقة بالمسيح
قد يختلف معه كثيرون بسبب فلسفته الإيمانيّة الخاصة ونظرته للوجود. يوضح قائلًا: «إيماني قويّ بالمسيح. تربطني به علاقة وثيقة ومميّزة بعيدة من الشكليّات وممارسة الوصايا العشر. أعتبر نفسي إنسانًا طيّبًا، وهذا كافٍ بالنسبة إليَّ. أخاطب المسيح كثيرًا، وأعاتبه كثيرًا. في القداس، أحبّ جدًّا الاستماع إلى الكلام الجوهري الذي يذكّرني بالعشاء السرّي. عندما أتناول القربانة، أشعر بأنّ يسوع أصبح في أعماقي، وغيّر كياني في دقائق معدودة. وأصلّي للموتى الذين غادروا الحياة، أوّلهم والدتي وأصدقائي».
ماذا بدّلت الجراحة؟
لم تغيّر عمليّة القلب المفتوح التي خضع لها رشدان نظرته للأمور، إنّما خسارة أصدقاء عزيزين ومقرّبين جدًّا منه أثّرت على مفهومه الخاص للحياة. لعلّ أقربهم الممثّل بيار شمعون، والرسّام التشكيلي بيار شديد. أمّا هو، فذهب إلى عمليّته بفرح، كما يقول لأنّه كان أمام خيارين: «أرحل عن هذا العالم وأنا في سبات عميق أو أعود من العمليّة أكثر نشاطًا وأحسن حالًا».
ويؤكد: «لا أخشى الموت لأنّ الحياة عبثيّة، وجُلّ ما أطلبه ألا يصيبني مرض الزهايمر».
اختبار مهمّ في الخمسين
يؤكد رشدان أنّه اختبر وجود الله قربه عندما سافر إلى الولايات المتحدة الأميركيّة، وكان حينها يبلغ خمسين عامًا. لكن قبل ذلك، «لم أشعر يومًا بأنّني مع المسيح، أو أعرفه، أو أفهم الإنجيل»، كما يقول.
ويضيف: «قصدت كنيسة هيوستن الإنجيليّة مع أحد معارفي. وهناك، تعرّفت على المسيح والإنجيل، تكشّفت لي حقيقة بعض الأمور الغامضة».
ويتابع شارحًا: «أمضيت حياتي أخاف من أن لا يكفيني راتبي الشهري، فأنا كنت موظفًا في الدولة بصفة أستاذ مدرسة. وعشت طفولتي في أوضاع فقيرة جدًّا. لدى مواجهتي ضيقة ما، كانت تتيسّر الأمور معي من دون أن أعي الطريقة. بعد تعمّقي في الإنجيل، أدركت أنّ الربّ إلى جانبي، وأنّ طيور السماء ليست أفضل منا. راجعت تاريخ حياتي، واكتشفت أنّ يدًا ما كانت تمتد إليَّ وتنتشلني كلّما وصلت إلى حافة الهاوية. منذ ذلك الوقت، لم أعد أفكر بالغد».
مجدٌ باطل
يعود سبب هجرة رشدان إلى نقمته على فساد السلطة السياسيّة في لبنان. هل لديه نقمة أيضًا على الفنّ؟ يؤكد رشدان أنّه كان طفلًا مدلّلًا، مردفًا: «كنت حاضرًا في أغلب المسلسلات التلفزيونيّة، لكن نقمتي انصبّت على السياسة التي ضربت الفنّ وكل شيء في البلد. وأصبحت كل مؤسسة على شاكلة الدولة، أكانت وزارات أم إدارات أم جمعيّات».
أمّا الشهرة اليوم، فلم تعد تعني له شيئًا، فهي مجدٌ باطل. وبمزيد من الإحباط، يكشف عن تلقّيه عروضًا عدّة لكن التصوير توقف بسبب الحرب. ويشير إلى أنّ آخر مسلسل مثّل فيه هو «العميل»، الصيف الماضي في تركيا، مقرًّا بأنّه بلا عمل منذ سنة ونصف السنة.
في الدراما، يرفض رشدان المقارنة بين الماضي والحاضر، أو بين مسلسل وآخر، لأنّ «لكل زمان أو حقبة ظروفهما، وفي كلّ منهما هناك أعمال عاديّة وأعمال جيّدة».
تميّز رشدان بلعب الأدوار الشريرة، فدور الشرّ يكون «نافرًا كالنقطة السوداء على صفحة بيضاء» إلا أنّه لا يفضّل دورًا على آخر. ويقول: «لم أرفض دورًا في حياتي لأنّني قادر على أداء كل الأدوار».
ويختم رشدان شهادته عبر «قلم غار» بشكر يسوع على كل شيء في حياته، حتى على الأمور السيّئة، «لأنّني أعتبر أنّها تحمل في طيّاتها حكمة معيّنة. فهو يعلم التوقيت المناسب والسبيل الملائم للتدخُّل». ويضيف: «لا أطلب من الله شيئًا لنفسي، إنّما أسأله الصحّة لعائلتي ورفاقي والراحة لموتاي. ومتى حانت ساعتي، أنا جاهز للقاء الربّ».