دعاء حمصي فرح
«وُلِدَت والنعمة معها»، ليس بخامتها الصوتيّة الاستثنائيّة فحسب، بل بطيبتها وقلبها المفتوح على اللامحدود في حبّ الله.
أجندتها الفنّية زاخرة بالغناء الأصيل، تحتضن مجموعة واسعة من الأنماط الموسيقيّة، والتنوّع في الأداء. وُصِفَت بكلثوميّة الصوت وأسطورة الطرب.
إنّها المطربة الكبيرة ميشلين خليفة التي تخصّ «قلم غار» بشهادة حياتها المفعمة بالحبّ والنجاح.
الفنّ ومفتاحه
تفتخر خليفة بصوتها، فهي تشعر منذ صغرها بأنّه جميل، وتلمس ذلك من خلال تشجيع عائلتها. لذا، تكرّست في أعماقها ثقة كبيرة بما تملكه من نعمة. وهي تقول: «يجب أن يحبّ المرء نفسه حتى يستطيع أن يحبّ الناس».
ترعرعت خليفة في منزل فنّي معروف بالغناء والشعر والأدب والأصوات الرخيمة، وتخبر: «ورثت الصوت الجميل من جدّتي والدة أمّي صاحبة الصوت الرنّان، ووالدتي التي كانت مطربة في إذاعة لبنان الرسميّة». ولا تنسى خليفة شقيقتَيْها المطربتَيْن مهى الريم ومي بيلوني، وهما تشكّلان النصف الثاني من روحها.
وتتابع خليفة: «تأثرت بخالي الشاعر الكبير ميشال جحا، وبالأدب والشعر والثقافة العربية المتّزنة».
هكذا نما فيها عشق الكلمة واللحن، وتجذّر في قلبها، وبقي سرّها. وتردف: «كان الفنّ في قلبي والمفتاح في جيبي، ولم أرمه في البحر».
فاتحة الأحلام
لم تفرج خليفة عن أحلامها الفنّية إلا بعدما ترك زوجها عمله كنائب مدير في أحد المصارف، ودخل في مجال العمل الحرّ، مقدّمًا لها كل الدعم. الدخول الأساسي لخليفة إلى المشهد الفنّي يعود إلى الأب يوسف الأشقر الذي تربطه علاقة متينة مع أهل زوجها، وهو من اكتشف تلك الخامة الصوتيّة الكبيرة.
وتشرح خليفة: «بالنسبة إليَّ، كان الأب يوسف الأشقر “المفتاح” من خلال التراتيل في التسعينيّات، فشاركت معه في جوقته منشدةً الترانيم».
تخصّ خليفة الموسيقار الكبير الراحل فؤاد عوّاد بالذكر لما له من فضلٍ على مسيرتها، فتقول: «هو يعيش في قلبي وفكري وذاكرتي. شجّعني على الفنّ، ورافقته في جوقة جامعة الروح القدس-الكسليك، وكانت أغنيتي الأولى “أرض الحلم” من ألحانه.
تلك كانت فاتحة الأحلام في حياتي، ولطالما طمحت إلى بداية مماثلة، فكان يسوع المسيح حاضرًا فيها ومسهّلًا الطريق».
صورة مريم وخشبة المسرح
تفتخر خليفة بطيبتها، فأنا «لا أحقد، ولا أؤذي، وقد دأبت على تقديم المساعدة الاجتماعيّة لدور الأيتام وغيرها من المراكز وفق قدراتي»، لكنّها تقرّ بأنّها أصبحت مقلّة بالاهتمام بها مع تعاظم مسؤوليّاتها.
وتضيف: «الربّ أعطاني الطيبة والإيمان والصوت، فحملت الرسالة وقدّمتها بالشكل الذي يليق به، وبما يكون مدعاة افتخار لأولادي».
تتعبّد خليفة ليسوع وتكرّم مريم العذراء والقديسين؛ تحبّ مار شربل والقديسة ريتا، وقد خصّصت مكانًا للصور المكرّسة في غرفتها. لا تنسى أن تحمل صورة العذراء في كل الحفلات، فتستذكر ما حصل معها عندما كانت تستعد لتقديم حفلة على مسرح «لا سيتيه» في جونية في أوّل ظهور لها.
وتردف قائلةً: «لا أنسى ما حصل حينذاك؛ الجمهور في انتظاري والفرقة الموسيقيّة تعزف. تزامنًا مع دخولي إلى المسرح، وقعت من يدي صورة مريم العذراء، فأصبت بالحرج والحيرة ورحت أسأل نفسي: كيف سألتقط الصورة؟ في تلك اللحظة، شعرت بأنّ الغناء لا أهمّية له بقدر أهمّية التقاط صورة العذراء. عندئذٍ، حسمت أمري، فانحنيت وفوجئت بالحضور يصرخ: «لتحميكِ مريم!».
«تلك اللحظة لا تُنسى!»، تقول خليفة، مردفة: «يسوع رافقني والعذراء حمتني منذ بداياتي. اعتدت رفع الصلوات يوميًّا، ولديّ صلاة خاصة أشعر بأنّها تصل مباشرةً إلى يسوع، أذكر فيها أولادي وأحفادي، وأترحّم على الراحلين، وأطلب من القديسين التشفّع بالمرضى»، وأختمها بالقول: «خذوا بالكم منّي ومن زوجي طوني!».
نعمٌ وشكران
تختم خليفة سرد اختبارها عبر «قلم غار»، مردّدة: «كلامي مباشر مع يسوع»، وتشكره على «الحياة التي أعطانا إيّاها، وعلى العمر الذي بلغناه»، سائلةً إيّاه «أن يديم نعمه علينا».
خليفة تشعر بأنّ الله رسم طريقها بصوتها الجميل والنقي ونجاحها الذي جاء نتيجة الثقة والتعاون والحبّ، بخاصة أن الله محبّة.