ماري حنّا
تحتضن غابة أرز الربّ في بشرّي أكبر منحوتة خشبيّة في العالم دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية في العام 2007، بارتفاع بلغ 39 مترًا.
تُعرف هذه الشجرة، باسم «أرزة لامارتين» نسبة إلى الشاعر الفرنسي ألفونس دو لامارتين الذي زار الغابة في العام 1832. وتخليدًا لذكرى تلك الزيارة، قامت لجنة الغابة بتسمية الأرزة التي جلس قربها باسمه، وهي تعرف اليوم باسم «أرزة لامارتين».
وكان الشاعر الفرنسي قد أخذ معه غرستين من أرز لبنان، وتلقّت لجنة «أصدقاء غابة الأرز» رسالة من حفيد عائلة إيطاليّة في فلورنسا اسمه Clément Corsini، جاء فيها: «إن الشاعر الفرنسي ألفونس دو لامارتين كان صديقًا حميمًا لأجداده، وأهداهم منذ مئة وخمسين سنة واحدة من الغرستين اللتين أخذهما معه بعد زيارته غابة الأرز، كما شملت الهديّة أيضًا بعضًا من البذور التي زرعتها العائلة في باحة قصرها في فلورنسا-إيطاليا».

في العام 1992، ضربت صاعقة ثلاث أرزات معمّرة داخل الغابة، من بينها أرزة لامارتين، وحوّلتها إلى يباس ما كان يستدعي استئصالها.
فكّرت لجنة «أصدقاء غابة الأرز» بطريقة تستطيع من خلالها الاحتفاظ بالأرزة وحمايتها، إن عبر تحويلها إلى مقاعد خشبيّة أو جعلها منحوتات متعدّدة، لكن النحات رودي رحمة، ابن بشرّي، اقترح أن ينحتها وهي في أرضها من دون قطع أو اقتلاع.
لم تجد فكرته هذه قبولًا بادئ الأمر لغرابتها وصعوبتها، لكن سرعان ما لقي المشروع طريقه إلى التنفيذ.
لم تكن المهمّة سهلة على النحّات، حيث واجه رحمة صعوبات عديدة، فالشجرة تبلغ من الطول 39 مترًا، ومصابة ببعض التلف والهريان بسبب العوامل المناخيّة على مرّ السنوات. ويجب عليه نحتها وهي لا تزال في أرضها ما يستوجب استخدام السقالات، والحبال والأزاميل المتعدّدة الأشكال والمقاسات.
عملٌ مضنٍ وشاق، ساعات من العمل الطويل ليل نهار في بعض الأحيان، استغرق سنوات ستّ، حوّل شجرة أرز يابسة إلى تمثال يحمل أكثر من 105 وجوه وأشكال بشريّة. وهكذا تحوّلت الأرزة بفروعها الثلاثة إلى «منحوتة الثالوث»، تتجسّد فيها مراحل الحياة كالولادة والطفولة والأمومة والشيخوخة… ويبدو السيّد المسيح مجسّدًا بشكل الإله الابن مرّة، وبشكل إنسان عادي مرّة أخرى… استطاع رحمة أن يجمع بين قوّتين في الطبيعة؛ قوّة الزمان وقوّة المكان.
وفي العام 2007، دخلت «منحوتة الثالوث» موسوعة غينيس للأرقام القياسيّة كأكبر منحوتة خشبيّة في العالم.