الأب طوني كعدي
أحلم أن أستيقظ يومًا وأسمع أنّ وطني لبنان وبلد عدوّي قد شُفيا من جراحهما، وأنّ السماء أصبحت زرقاء صافية بلا دويّ قذيفة، وأنّ الأرض عادت تنبض بالحياة كما كانت في أيّام السلام. أحلم أن أسمع أنّ شعبي وشعب عدوّي، بعد كل هذا الألم الذي مزّق القلوب، بدآ يتحدّثان بلغة المحبّة والرحمة، وأنّ الحدود التي مزّقتنا باتت جسورًا تجمع القلوب والأرواح.
أحلم أن أفتح عينيّ في الصباح وأرى المناطق التي مزّقتها الحرب تزهر من جديد، وأنّ الأرض التي كانت تبكي تحت ثقل الدمار باتت الآن واحة للحياة، تروي عطش الأمل. أحلم أنّ الأيدي التي أمسكت بالسلاح عادت لتزرع الأشجار، لتبني بيوتًا دافئة، وتعانق الأرض من جديد بحبّ.
أحلم بوطن يحتضن كبارنا وصغارنا لأنّ من يحترم شيبه يحترم جذوره وأصالته، ومن يصون شيوخه يحافظ على ذاكرة وطنه وتراثه. من يهتم بمن عاش وتحمّل عبء السنين، يهتم بروح الوطن نفسه وبأعمدته التي تشكّل الهويّة اللبنانيّة.
أحلم أنّ شباب بلادي، بدلًا من أن يحملوا السلاح ضد العدوّ، يرفعون رايات السلام عاليًا، وأنّ قلوبهم تمتلئ بالشغف للعلم والأمل بالمستقبل. أحلم أن تكون أحلامهم مبنيّة على الطموح لا الخوف، على البناء لا الهدم، وأنّ تطلّعاتهم تتخطى حدود الحروب لترتفع نحو سماء مزدهرة بالإبداع والتقدّم.
أحلم أن يخرج شباب لبنان إلى العالم لا كلاجئين أو هاربين، بل كسفراء للسلام، يتعرّفون على ثقافات وحضارات مختلفة، ثم يعودون إلى وطنهم ليبنوا لبنان الذي يستحقونه، وطنًا يعانق أحلامهم الكبيرة. أحلم أن يتحوّل لبنان إلى منارة تشعّ علمًا وانفتاحًا، وطنًا حيث يطمح كل فرد إلى حياة مليئة بالكرامة والمستقبل المشرق.
أحلم أن يستيقظ سياسيّو وطني من سباتهم، وأن يكسروا سلاسل الفساد، وأن يعملوا بقلوب صادقة من أجل العدالة الاجتماعيّة والخير العام، وأن يفرضوا قوانين تحفظ كرامة الإنسان وتعيد للبنان هيبته وتطوّره. أحلم أن يصبحوا قادة فعليين يبنون وطنًا يستحق شعبه العيش فيه بكرامة وحرّية.
وأحلم أن يقف رجال الدين شهودًا للحق والعدل، لا ليخيفوا الناس بإله قاسٍ، بل ليعرّفوا المؤمنين على الله المحبّ، الرحوم الذي يسامح ويغفر، ويحتضن أبناءه بحنان. أحلم أن يكونوا مصابيح نور تهدي الناس إلى طريق المحبّة والتسامح، وأن يفتحوا القلوب لمعرفة الله الرحوم الذي يسامح ويعانق كل روح تائهة.
لبنان اليوم يئنّ تحت ثقل الدمار، لكن قلبه لا يزال ينبض بالمحبّة والكرامة. أحلم أن يتوقف هذا الألم، أن يعود لبنان ليكون وطنًا للسلام، وطنًا للحضارة، وطنًا للإنسانيّة والإيمان اللذين لطالما أضاءا سماء الشرق.